ترتب على إيجاب المتكلمين أن يكون للحوادث مبدأ إيجاب آخر؛ هو قولهم: كل ما تقارنه الحوادث فهو حادث.
فمنعوا بسبب ذلك أن يكون الباري جل وعلا لم يزل فاعلاً بمشيئته وقدرته، وأوجبوا نفي أفعال الله تعالى الاختيارية، بحجة أنها حوادث يجب تنزيه الله تعالى عنها.
ولما قيل لهم: إن قولكم أن الله تعالى خالق العالم بعد أن لم يكن العالم موجوداً: هو قول بحلول الحوادث به جل وعلا: أجابوا بمذهبهم المشهور: الخلق هو المخلوق.
وقولهم هذا يعني أن صفة الخلق لم تقم بالخالق عند الخلق، وإنما وجد المخلوق منفصلاً عنه، من غير صفة قامت بخالقه، ولا سبب اقتضى إيجاده فجعلوا مفعوله هو فعله وهذا خلاف الكتاب والسنة، وخلاف المعقول الصريح.
ومسألة الخلق والمخلوق، والفعل والمفعول تحتاج إلى مزيد بيان فنقول:
لا ريب أنا نشهد الحوادث؛ كحدوث السحاب، ونزول المطر، ونبات الزرع، وإثمار الشجر، وطلوع الشمس وغروبها، وحدوث الإنسان، وغيره من الحيوان، وفنائهم، وتعاقب الليل والنهار، وغير ذلك من الحوادث المشاهدة فهذه كلها حوادث، ومعلوم بضرورة العقل أن المحدث لابد له من محدث.
" ومعلوم أن المحدث الواحد لا يحدث إلا بمحدث، فإذا كثرت الحوادث وتسلسلت كان احتياجها إلى المحدث أولى، وكلها محدثات؛ فكلها محتاجة إلى محدث وذلك لا يزول إلا بمحدث لا يحتاج إلى غيره بل هو قديم أزلي بنفسه