للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الفرع الثاني: بيان الأصل الذي بنى عليه المبتدعة مذهبهم: (١)

قبل أن ندخل في صلب الموضوع، ونذكر أقوال الناس في المسألة أود أن أبين السبب الذي أوقع المتكلمين في تعطيل الرب عن الفعل أزلاً فأقول:

إن القوم لما أسسوا لهم أصلاً، وبنوا عليه جميع قواعدهم، فقادهم هذا الأصل الفاسد رغماً عنهم إلى التعطيل والإنكار وهذا الأصل هو امتناع قيام الحوادث بذاته إذ لو قامت به الحوادث من الأفعال لوجب القول بتسلسلها وتعاقبها لا إلى أول وهو يؤدي إلى تسلسل الأعيان التي هي المفعولات فتكون قديمة فينسد طريق إثبات الصانع لأن الطريق إلى إثباته هو انفكاكها عنه ولهذا قالوا ببطلان التسلسل ولزوم حدوث الأجسام.

وحدوث الأجسام هو المسمى بدليل الأعراض، أو دليل حدوث العالم، أو دليل حدوث الأجسام والأعراض، وكلها أسماء لدليل واحد.

وقد ابتدعت الجهمية والمعتزلة هذا الدليل، تم تبعهم على ذلك الكلابية والأشعرية والماتريدية وغيرهم، بل بالغوا في الأمر وغلوا فيه حتى قالوا إن من لا يعتقد حدوث الأجسام لا أصل لاعتقاده في الصانع.

وقد زعموا:

١- أنّ إثبات الصانع لا يُعرف إلا بالنظر المفضي إلى العلم بإثباته.

٢- وبعد النظر تبين لهم أن العلم بإثبات الصانع لا يمكن إلا بإثبات حدوث العالم؛ إذ الحدوث هو العلة المحوجة إلى المؤثر، وإذا ثبت أن العالم


(١) وتتمة للموضوع ذكرت مسألة الخلق والمخلوق لصلتها بالأمر فانظر ذلك كله في الأصول التي بنى عليها المبتدعة مذهبهم في الصفات د. عبد القادر بن صوفي.
حادثٌ، فلابد له من محدثٍ يُخرجهُ من حيز العدم إلى حيز الوجود.

<<  <   >  >>