إحداهما: قالت أنه قديم بالذات لازم لها كالقدرة (١) ، ولم يجعلوه متعلقاً بمشيئته تعالى وقدرته، وهم الماتريدية أتباع الشيخ أبي منصور الماتريدي من علماء الحنفية وهذه المسألة مما خالف فيه الماتريدية الأشاعرة رغم ما بين الطائفتين من اتفاق في كثير من مسائل الكلام، فإن المشهور عن الأشاعرة أنهم لا يثبتون إلا سبع صفات، يسمونها صفات المعاني وهي: الحياة والقدرة والإرادة والعلم والسمع والبصر والكلام، ويجعلونها كلها قديمة قائمة بالذات وأما صفات الأفعال عندهم من الخلق والرزق والإحياء والإماتة إلخ، فيجعلونها تعلقات تنجيزية حادثة للقدرة القديمة، ومن العجب أنهم يقولون أن تعلقات الإرادة كلها تنجيزية قديمة، فكيف إذا تخلف عنها المراد في الأزل وكذلك قالوا في تعلقات العلم والكلام. وأما الماتريدية فقد أثبتوا التكوين صفة أخرى وراء الصفات السبع المتقدمة وجعلوها قديمة كما سبق، وقد عارضهم خصومهم، من الأشاعرة وردوا قولهم في إثبات هذه الصفة مكابرة بلا دليل.
وأما الطائفة الأخرى فقد ذهبت إلى أن الفعل حادث قائم بالذات، ثم انقسمت إلى فرقتين: الكرامية أتباع محمد بن كرام، وهؤلاء ذهبوا إلى أن فعله حادث قائم بذاته ومتعلق بمشيئته وقدرته، ولكنهم جعلوا له ابتداء في ذاته،
(١) وانما قالوا ذلك مداهنة للمعتزلة والجهمية والذين يقولون ان الفعل إذا كان حادثاً وقام بالله لزم ان يكون الله محلاً للحوادث فيكون حادثاً ن ولهذا قالوا ان الفعل قديم ويلزم على هذا ان يكون المفعول قديماً لأن الفعل لابد ان ينتج مفعولاً ولهذا قالوا لا نسميه فعلاً بل تكويناً، والتكوين ان أرادوا به التقدير أي قدر كذا فعلى هذا لم يقروا بالفعل بل جعلوا الفعل هو التقدير والقضاء، وإن جعلوا التكوين هو فعل الشيء وعمله فعلى هذا يكون المفعول قديماً، وعلى هذا جرى أبو جعفر الطحاوي.