وقديم الإحسان الكثير ودائم ... الجود العظيم وصاحب الغفران
من غير إنكار عليهم فطرة ... فطروا عليها ولا تواصٍ ثان
أو ليس فعل الرب تابع وصفه ... وكماله (١) أفذاك ذو حدثان
وكماله سبب الفعال وخلقه ... أفعالهم سبب الكمال الثاني
أو ما فعال الرب عين كماله ... أفذاك ممتنع على المنان
أزلاً إلى أن صار فيما لم يزل ... متمكناً والفعل ذو إمكان
الشرح
بعد أن قرر المؤلف مذهب السلف القويم في دوام فاعلية الرب وكلامه أورد من النقول عن بعض أئمة أهل السنة كأحمد وغيره ما يشهد لصحته أراد أن يستدل عليه كذلك عن طريق الفطرة والعقل وأما الفطرة فأننا نسمع الناس في دعائهم واستغاثتهم، وطلبهم الحاجات من الله عز وجل يلهجون بهذه العبارات من قولهم: يا قديم الإحسان، يا قديم المعروف والسلطان، يا دائم الجود والامتنان إلى غير ذلك مما يفهم أنهم فطروا على اعتقد ذلك فطرة دون أن يوصى بعضهم بعضاً بذلك، أو يعلمه إياه ودون أن ينكر بعضهم على بعض.
وأما دليل العقل فهو أن فعل الرب سبحانه تابع لوصفه وكماله، فإذا كان لم يزل موصوفاً بصفات الكمال ونعوت لجلال بحيث لا يتصور خلوه عنها لحظه من اللحظات في جانب الأزل أو الأبد فهو إذاً لم يزل فعالاً لأن الفعل من جملة الصفات التي لم يزل بها موصوفاً، والفعل من لوازم كماله سبحانه فكماله
(١) ... ففعل الرب تابع لكماله، وكمال الرب ليس حادثاً بل وصفه الدائم، ولما كان كاملاً كان الكمال سبب الفعل.