إن كان رب العرش حقاً لم يزل ... أبداً إله الحق ذا سلطان
فكذاك أيضاً لم يزل متكلماً ... بل فاعلاً ما شاء ذا إحسان
والله ما في العقل ما يقضي لذا ... بالرد والإبطال والنكران
بل ليس في المعقول غير ثبوته ... للخالق الأزلي ذي الإحسان
هذا وما دون المهيمن حادث ... ليس القديم سواه في الأكوان
والله سابق كل شيء غيره ... ما ربنا والخلق مقترنان
والله كان وليس شيء غيره ... سبحانه جل العظيم الشان
الشرح
فإذا كان الله لم يزل ولا يزال له الإلهية الحقة والسلطان الأعظم، فيجب كذلك أن يكون لم يزل متكلماً بما شاء وفاعلاً لما شاء، ولم يزل محسناً براً رحيماً، وليس في العقل ما يحيل هذا أو يأباه، كيف والعقل إنما يقتضي ثبوته للخالق جل وعلا، لأنه يقر له بالأزلية ذاتا وصفات. والأزلية تنافي حدوث الصفات وابتداؤها في ذاته، ولا يلزم من القول بقدم الفعل القول بقدم شيء من المفعولات، فإن الله هو وحده القديم، وكل ما سواه حادث، وليس وجود الأشياء مقارناً بوجوده، بل وجوده سابق عليها جميعاً كما جاء في الحديث " كان الله ولم يكن شيء معه " أي مساوق له في الوجود سبحانه، بل متأخر عنه. ولكنا مع ذلك لا نقول بوجود فاصل لا نهاية له في الزمان بين وجود الله ووجود العالم كما يقوله من ذهب إلى أن العالم وجد من عدم، فإن هذا يستلزم كما قدمنا أن يكون الباري معطلاً عن الفعل أو غير قادر عليه مدة لا تقاس بها مدة فاعليته، بل نقول أنه سبحانه يكون الشيء فيكون عقب تكوينه،