مع قولهم: إنه لم يزل النوع المقدور المراد موجوداً شيئاً بعد شيء.
ولكن كثيراً من أهل الكلام يقولون: ما كان مقدوراً مراداً يمتنع أن يكون لم يزل شيئاً بعد شيء، ومنهم من يقول بمنع ذلك في المستقبل أيضاً.
وهؤلاء هم الذين ناظرهم الفلاسفة القائلون بقدم العالم، ولما ناظروهم واعتقدوا أنهم قد خصموهم وغلبوهم، اعتقدوا أنهم قد خصموا أهل الملل مطلقاً، لاعتقادهم الفاسد الناشيء عن جهلهم بأقوال أئمة أهل الملل، بل وبأقوال أساطين الفلاسفة القدماء، وظنهم أنه ليس لأئمة الملل وأئمة الفلاسفة قول إلا قول هؤلاء المتكلمين وقولهم، أو قول المجوس والحرانية، او قول من يقول بقدم مادة بعينها، ونحو ذلك من الأقوال التي قد يظهر فسادها للنظار، وهذا مبسوط في موضع آخر.
والمقصود هنا أن عامة العقلاء مطبقون على أن العلم بكون الشيء المعين مراداً مقدوراً، يوجب العلم بكونه حادثاً كائناً بعد أن لم يكن، بل هذا عند العقلاء: أن الشيء مقدور للفاعل مراد له فعله بمشيئته وقدرته، موجب للعلم بأنه حادث. بل مجرد تصورهم كون الشيء مفعولاً أو مخلوقاً أو مصنوعاً أو نحو ذلك من العبارات، يوجب العلم بأنه محدث كائن بعد أن لم يكن ا٠هـ.
فقول الجهمية فاسد من وجوه: -
١- انه يدل على امتناع حدوث العالم كما قال شيخ الإسلام. وهو حادث لأنه إذا كان الفعل ممتنعاً، فالممتنع ما لا يمكن وجوده، فهو ممتنع الوجود، أما وقد حدث العالم، فإن حدوثه يدل على أنه ممكن وليس بممتنع فإذا كان ممكناً في وقت كذا، فلابد أن يكون أيضاً ممكناً في أي وقت قبله أو بعده،