للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومحا "فأمهل" وكتب {فَمَهِّلْ} ١ وكتب {لَمْ يَتَسَنَّهْ} ٢ ألحقَ فِيهَا هاءً. أفيكون جهلُ أبي حيّة بالكتابة حُجةً عَلَى هؤلاء الأئمة?

والذي نقوله فِي الحروف هو قولنا فِي الإعراب والعروض. والدليل عَلَى صِحة هَذَا وأن القوم قَدْ تداوَلوا الإعراب أنا نستقرئ قصيدة الحُطَيْئة٣ الَّتِي أوّلها:

شاقَتْكَ أظعانٌ لِلَيلَى ... دون ناظرة بواكر٤

فَنَجِدُ قوافيها كلَّها عند الترنُّم والإعراب تجيء مرفوعة، ولولا علمُ الحطيئة بذلك لأشبهَ أن يختلف إعرابُها، لأن تساويها فِي حركة واحدة اتفاقاً من غير قصد لا يكاد يكون.

فإن قال قائل: فقد تواترت الرّوايات بأن أبا الأسود٥ أولُ من وضع العربية، وأن الخليل٦ أول من تكلم فِي العروض. قيل لَهُ: نحن لا ننكر ذَلِكَ، بل نقول إن هذين العِلْمَين قَدْ كانا قديماً وأتت عليهما الأيام, وقلاّ فِي أيدي الناس، ثُمَّ جددهما هذان الإمامان، وَقَدْ تقدم دليلنا فِي معنى الإعراب.

وأما العروض فمن الدليل عَلَى أنه كَانَ متعارفاً معلوماً اتفاقُ أهل العلم عَلَى أن المشركين لما سمعوا القرآن قالوا أَوْ من قال منهم: "إنه شعر" فقال الوليدُ بنُ المغيرة منكراً عليهم "لقد عرضتُ مَا يقرؤه محمد عَلَى أقراء الشعر٨: هزجه ورجزه, وكذا وكذا، فلم أرَه يشبه شيئاً من ذلك" أفيقول الوليدُ هَذَا، وهو لا


١ سورة الطارق، الآية: ١٧، وتمامها: {فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا} .
٢ سورة البقرة، الآية: ٢٥٩، وتمامها: {فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ} .
٣ هو جرول بن أوس شاعر مخضرم، كان هجاء، مات سنة ٥٩هـ.
٤ ديوان الحطيئة: ٣١ وفيه: يوم ناظرة.
٥ هو أبو الأسود الدؤلي المتوفى سنة ١٠هـ.
٦ هو الخليل بن أحمد الفراهيدي، عالم في اللغة، والنحو، وواضع علم العروض، مات سنة ١٦٢هـ.
٧ هو الوليد بن عبد الله بن عمرو، من زعماء قريش وأجوادها في الجاهلية، أدرك الإسلام ولم يسلم، مات سنة ١هـ.
٨ أقراء الشعر: قوافيه، والواحد: قرء.

<<  <   >  >>