من العلوم الجليلة الَّتِي خصت بِهَا العرب الإعرابُ الَّذِي هو الفارق بَيْنَ المعاني المتكافِئَة فِي اللفظ، وبه يعرف الخبر الَّذِي هو أصل الكلام، ولولاه مَا مُيّز فاعل من مفعول، ولا مضاف من مَنْعوت، ولا تَعَجُّبٌ من استفهام، ولا صَدْر من مصدَر، ولا نعتٌ من تأكيد.
وذكر بعض أصحابنا أن الإعراب يختص بالأخبار، وَقَدْ يكون الإعراب فِي غير الخبر أيضاً. لأنّا نقول:"أزيدٌ عندك?" و"أزيداً ضربت?" فقد عَمِل الإعراب وَلَيْسَ هو من باب الخبر.
ورغم ناس يُتَوقفُ عن قبول أخبارهم أن الذين يسمون الفلاسفة قَدْ كَانَ لهم إعرابٌ ومؤلَّفاتُ نحوٍ. قال أحمد بن فارس: وهذا كلام لا يَعَرَّجُ عَلَى مثله. وإنما تَشَبّهَ القوم آنفاً بأهل الإسلام، فأخذوا من كتب علمائنا، وغَيَّروا بعض ألفاظها، ونسبوا ذَلِكَ إِلَى قوم ذَوي أسماء منكرةٍ بتراجمَ بَشِعَةٍ لا يكاد لسان ذي دين ينطق بِهَا, وادَّعوا مع ذَلِكَ أن للقوم شعراً، وَقَدْ قرأناه فوجدناه قليل الماءِ، نَزْرَ الحَلاوة، غير مستقيم الوزن.
بلى، الشِّعر شِعر العرب، ديوانُهم وحافظ مآثِرهم، ومُقيّدُ أحسابهم، ثُمَّ للعرب العَروض الَّتِي هي ميزان الشِّعر، وبها يُعرف صحيحه من سقيمه.
ومن عرف دقائقه وأسراره وخفاياه علم أنه يُربي عَلَى جميع مَا يبَجَحُ بِهِ هؤلاء الَّذِين يَنْتَحلون معرفة حقائق الأشياء من الأعداد والخطوط والنقط الَّتِي لا أعرف لَهَا فائدة غير أنها مع قلة فائدتها تُرِقّ الدّين، وتنتج كل مَا نعوذ بالله منه.
وللعرب حفظ الأنساب وَمَا يُعلم أحدٌ من الأمم عُني بحفظ النسب عناية العرب. قال الله جلّ ثناؤه:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} ١ فهي آية مَا عَمِل بمضمونها غيرهم.