للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بأشجع أخاذ على الدَّهر حُكمَهُ ... فَمِنْ أيّ ما تَجْني الحوادثُ أفْرَقُ

أرادَ: بِنَّ مني بأشجَعَ. والسِّلام تَفَلَّقُ اعتراض. ومثل هذا في كتاب الله جل ثناؤه وإشعارِ العرب كثير، وإنما نذكر من الباب رَسْماً.

باب الإيماء:

العرب تُشيرُ إلى المعنى إشارة وتومئ إيماءً دون التصريح، فيقول القائل: "لو انَّ لي مَن يَقبَل مَشْورتي لأشرْتُ" وإنما يَحثُّ السّامع على قبولِ المَشُورَة. وهو في أشعارهم كثير قال الشاعر١:

إذا غَرَّدَ المُكَّاءُ في غيرِ رَوْضَةٍ ... فوَيْلٌ لأهل الشَّاءِ والحمُراتِ

أومَأ إلى الجدْب، وذلك أن المُكَّاء يَأْلَفُ الريَاضَ، فإذا أجدبت الأرض سقط في غير روضة. ومنه قول الأفْوَهِ٢:

إنّ بني أوْدٍ هُمُ ما هُمُ ... للحَرْب أو للجَدْب عامَ الشُّموسْ

أومأ بقوله: "الشموس" إلى الجدب وقلة المطر والغيم، أي إنّ كلَّ أيّامهم شموس بلا غيم. ويقولون: "هو طويلُ نِجادِ السيّف" إنما يريدون طولَ الرَّجُل. و"غمر الرّداء" يومِئون إلى الجواد. و"فدًا له ثَوْبي" و "هو واسع جَيبِ الكُمّ" إيماءً إلى البَذْل. و"طرب العِنان" يومئون إلى الخِفَّة والرَّشاقة. وفي كتاب الله جل ثناؤه: {وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ، وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ} ٣ هذا إيماء إلى "أن يُصيبوني بسوء" وذلك أن العرب تقول: "اللَّبَن محضور" أي: تُصيبه الآفات.

باب إضافة الفعل إلى من وقع به ذلك الفعل:

ومن سُنن العرب إضافةُ الفعل إلى من يقع به ذلك الفعل. يقولون: "ضربُ زيداً وأعطيتُه بعدَ -ضَرْبِهِ- كذا" فينسب الضربَ إلى زيد وهو واقع به. قال الله جل


١ لسان العرب: مادة "مكا"، والمقاييس: مادة "حمر"، بلا عزو. والمكاء: طائر.
٢ الطرائف الأدبية: ١٦.
٣ سورة المؤمنون، الآية: ٩٨.

<<  <   >  >>