للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أمَاويَّ ما يُغني الثَّراءُ عن الفتى ... إذا حَشرَجَتْ يوماً وضاقَ بها الصدْرُ

فكنى عن النفس فقال "حشرجت" ويقولون١:

إذا اغُبرَّ أُفْقٌ وهَبَّتْ شَمالاً

أضمرَ الريح ولم يجرِ لها ذكر.

ويكنى عن الشيئين والثالثة بكناية الواحد. فيقولون: "هو أنْتَنُ الناس وأخْبَثُه" وهذا لا يكون إلا فيما يقال هو أفعل، قال الشاعر٢:

شَرُّ يومَيها وأشقاهُ لها ... رَكِبتْ عَنزٌ بِحمْلٍ جَملا

ولم يقل: "أشقاهما".

وتكون الكناية متصلة باسم وهي لغيره، كقوله جلّ ثناؤه: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ} ٣ -فهذا آدم عليه السلام- ثم قال: {جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً} ٤ فهذا لِوَلده لأن آدم لم يُخلق من نُطفة. ومن هذا الباب قوله جلّ ثناؤه: {لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} ٥ قيل: إنها نزلت في ابن حُذَافَة حين قال للنبي -صلى الله عليه وسلم: من أبي? فقال: "حُذافة". وكان يَسبُّ به فساءه ذلك، فنزلت: {لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} . وقيل: نزلت في الحج حين قال القائل: أفي كلّ عام مرةً? ثم قال: {وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا} ٦ يريد أن تسألوا عن أشياء أُخرَ من أمر دينكم ودنياكم بكم إلى علمها حاجة تبد لكم ثم قال: {قَدْ سَأَلَهَا} ٧ فهذه الهاء من غير الكنايتين لأن معناها: قد طلبها، والسؤال ها هنا طلب، وذلك كقول


١ الأزهية: ٦٢، ونسبته إلى كعب بن زهير، وليس في ديوانه. وفي الحماسة الشجرية: ١/ ٣٠٩ ونسبته إلى جنوب بنت عجلان، وخزانة الأدب: ١/ ٣٨٤ وصدره:
لقد علم الضيف والمرملون
٢ التنبيه والإيضاح: ٢/ ٢٤٦ وفيه أغواه لها، وبحدج جملا، والبيت في المستقصى: ٢/ ١٣٠. ولعنز اليمامة في تاج العروس: مادة "عنز"، ولبعض شعراء جديس في التاج أيضًا: مادة "عنز".
٣ سورة "المؤمنون"، الآية: ١٢.
٤ سورة "المؤمنون"، الآية: ١٣.
٥ سورة المائدة، الآية: ١٠١.
٦ سورة المائدة، الآية: ١٠١.
٧ سورة المائدة، الآية: ١٠٢.

<<  <   >  >>