للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

"إن اليهود والنصارى لا يصبغون، فخالفوهم".


= رجلًا قد خضب لحيته: إني لأرى رجلًا يحيي ميتًا من السنة، وفرح به حين رآه صبغ بها".
وقال شيخ الإسلام "ص٢٤" بعد أن ذكر الحديث:
"هذا فيه أمر بمخالفتهم، وذلك يقتضي أن يكون جنس مخالفتهم أمرًا مقصودًا للشارع؛ لأنه إن كان الأمر بجنس المخالفة حصل المقصود، وإن كان الأمر بالمخالفة في تغيير الشعر فقط؛ فهو لأجل ما فيه من المخالفة، فالمخالفة إما علة مفردة، أو علة أخرى، أو بعض علة، وعلى جميع التقديرات تكون مأمورًا بها مطلوبة للشارع؛ لأن الفعل المأمور به إذا عبر عنه بلفظ مشنق من معنى أعم من ذلك الفعل؛ فلا بد أن يكون ما منه الاشتقاق أمرًا مطلوبًا، لا سيما إن ظهر لنا أن المعنى المشتق منه معنى مناسب للحكمة، كما لو قيل للضيف: "أكرمه"؛ بمعنى: أطعمه، وللشيخ الكبير: "وقره"؛ بمعنى: اخفض صوتك له، أو نحو، وذلك لوجوه".
قلت: ثم أطال في بيانها إلى "ص٢٨" وفيه من الفوائد العلمية ما لا يوجد في غيره، ومما جاء فيه "ص٢٧":
"وهذا وإن دل على أن مخالفتهم أمر مقصود للشرع، فذلك لا ينفي أن تكون في نفس الفعل الذي خولفوا فيه مصلحة مقصودة مع قطع النظر عن مخالفتهم، فإن هنا شيئين:
أحدهما: أن نفس المخالفة لهم في الهدي الظاهر مصلحة ومنفعة لعباد الله المؤمنين، لما في مخالفتهم من المجانبة والمباينة التي توجب المباعدة عن أعمال أهل الجحيم، وإنما يظهر بعض المصلحة في ذلك لمن تنور قلبه حتى رأى ما اتصف به المغضوب عليهم والضالون من المرض الذي ضرره أشد من ضرر أمراض الأبدان.
والثاني: أن نفس ما هم عليه من الهدى والخلق قد يكون مضرًّا أو منقصًا، فينهى عنه، ويؤمر بضده، لما فيه من المنفعة والكمال، وليس شيء من أمورهم إلا

<<  <   >  >>