للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

العودة إلى شعره ونثره, ففيهما كل الأجوبة الشافية، وفيهما حلّ لكل الألغاز التي ما زلنا حائرين في الاهتداء إلى حقائق ثابتة بصددها.

سقت هذه المقدمات قبل البدء بالبحث، وهدف البحث هو تتبُّع جهود العلماء والدراسين والباحثين حول الأدب الجاهلي، وقد رأيت أن أقسِّم البحث إلى ثلاث شرائح كبرى:

١- جهود العلماء العرب القدامى.

٢- جهود المستشرقين.

٣- جهود العرب المحدثين.

وأبدأ بجهود العلماء العرب القدامى فأقول بأن الأدب الجاهلي والشعر بوجه خاصٍّ منه لم ينقطع اهتمام العلماء به منذ انتهاء العصر الجاهلي، ففي صدر الإسلام اقتصر الأمرعلى إنشاده وروايته وحفظه من الضياع، وقد شهدنا كيف كان الخلفاء الراشدون وولاة الأمر يستمعون إلى شعر زهير وحاتم وكل شعر فيه قيمة أو فضيلة أو مَكْرُمة، وفي عصر الخلافة الأموية تطورت الأمور؛ بحيث أصبح بعض الخلفاء كالوليد بن يزيد يقتنون مكتبات خاصَّة لهم, يودعون فيها مختلف أنواع المدونات، وحدثنا بأن معاوية بن أبي سفيان طلب من وهب بن منبه أن يحدثه ويؤلف له في أخبار ملوك حمير واليمن، ونستطيع أن نستنتج من هذين الخبرين وغيرهما بأن التدوين الجزئي قد بدأ في عصر بني أمية, وواكب التدوين بدايات حركة نقدية نشأت في مجالس الخلفاء والخاصة والأسواق، وهذان العاملان التدوين الجزئي والحركة النقدية, بالإضافة إلى استمرار الرواية، هذا كله كان عاملًا في حفظ الشعر الجاهلي وإيصاله إلى عصر التدوين العام.

وفي العصر العباسي فُتِحَ باب التدوين على مصراعيه، وكان لذلك دوافع أهمها:

١- رغبة العلماء في تدوين الأدب الجاهلي بعد جمعه ليغدو مادة علمية لغوية يتدراسها الناس.

٢- ربط العلماء بين هذا الأدب والمادة اللغوية لتقعيد اللغة.

٣- ظهور حركة مناوئة للعرب، أعني: الشعوبية، فانبرى العلماء الغيورون على اللغة للتصدي لتلك الهجمة الشرسة.

<<  <   >  >>