قبل الخوض في قضيتين أساسيتين ينبغي علينا أن نشكّل صورةً للواقع الجاهلي، وأعني بالقضيتين مناهج دراسة المحدثين للشعر الجاهلي، وموقف هذه المناهج من قضايا أساسية في الشعر الجاهلي، وسأحاول أن أرسم صورة توضح المعالم البارزة في المجتمع الجاهلي التي كان لها حضور شبه دائم في الشعر الجاهلي.
يشكل الرباعي التالي المحور الأساسي الذي تدور حوله باقي المحاور، وأعني به الفرد "الأنا", والقبيلة "نحن"، والصعلوك "الفرد المتمرد على القبيلة وتقاليدها"، والملك أو الكاهن أو رئيس القبيلة، وهذه العناصر الأربعة المكونة لهذا المحور قد تتفق وقد تتنافر، وقد تتحد.
والمجموعة الثانية أو المحور الثاني: الصحراء، والطلل، والمطر، والسيل، والرحلة، والظعينة، والوشم، وهذه تربطها بالإنسان الجاهلي علاقات قد تكون إيجابية، وقد تكون سلبية، قد ينفر منها العربي ويخشاها، وقد يلوذ بها لتحميه, أو ليجد عندها الأمن والطمأنينة، يرهبها لأنه يرى فيها مستقبله الآيل إلى فناء، أو سعادته الآيلة إلى فراق، أو القبر الذي يطويه، فعلاقته بها ذات وجهين متضادين.
فهي تختزن جزءًا من ماضيه أو كله, وتصور حاضره، وتخبئ مستقبله المجهول الذي لا يدري كنهه.
والمحور الثالث: يمثل الحيوان، ولكن لا يكون حضوره وفاعليته في القصيدة الجاهلية بالكثافة نفسها. وتطالعنا الحيوانات التالية ممثّلة في الشعر بصورة ملفتة وهي: الناقة والفرس وحمار الوحش والكلاب. وهذا المحور أيضًا يدور في فلك