المحور الأول لا يفارقه، ولكن يظهر هذا ويختفي ذاك، والمحرك لأدواره فاعلية خفية اختلفت المناهج في تفسيرها وتأويلها, ويوصف كل حيوان بصفات تختلف من شاعر إلى آخر, بل من قصيدة إلى آخرى للشاعر نفسه, وهذا المحور أيضًا في علاقاته مع المحور الأول ينتقل من طور إلى طور مضاد وفقًا لمعطيات وعوامل أخرى.
أما المحور الرابع فيتمثل في الزمن، الموت والفناء، وانتهاب اللذات من خمر ونساء، وصيد وعقر، والمرأة، والحروب "الأيام"، والصراع بمظاهره المختلفة، والخمر، والمحبوبة، والكرم. وهذه المجموعة تأتي، أو يأتي بعضها نتيجة لتصارع المحاور السابقة لتشكل فلسفة الشاعر الجاهلي المعبِّر عن مشكلاته ومشكلات أقرانه من الجاهليين الذين يعانون مثل ما يعاني، ويرغبون مثل ما يرغب، ويرهبون ما يرهب، ولا أريد أن أستبق الأمور؛ لأن ذلك سيعرض بالتفصيل عند دراسة المناهج، لكنني أستطيع أن أزعم أن المحور الرابع يقتسمه قطبان متضادان: رغبة في الخلود يرافقها رهبة من الموت وهلع وجزع، والقطب الآخر اندفاع في اتجاه مضاد يتمثل في انتهاب اللذات وتخليد النفس بعد الفناء بأعمال تبقى خالدة ما دام غير قادر على تحقيق الخلود, والاحتمالات والاختيارات هنا كثيرة، يجد الشاعر وفقًا لظرفه والمؤثرات التي تضغط عليه وسيلة للرد أو الهروب أو التصدي، أو التهلي والتناسي.
وهذا المحور لا يتعامل، فيؤثر ويتأثر، بالمحور الأول فحسب، بل تتداخل المحاور الأخرى لتشكل بنية متشابكة معقَّدة, حار الباحثون أحيانًا واختلفوا في تفسيرها، وتناقضت تفسيراتهم وتأويلاتهم وفقًا لمنطلقاتهم المنهجية.
وهكذا فإنني أزعم أن هذه المحاور الأربعة تشكِّل أساسيات في النص الشعري، ولكن هذا لا يعني أن كل عنصر فيها قد يكون محورًا ثانويًّا تتنامى حوله الصورة أو النص الشعري.
وهكذا نتصور أن من يتصدَّى لدراسة الشعر الجاهلي ينبغي أن يضع نصب عينيه هذه الحقائق، فأين كان النقد القديم من هذا؟
لن نكرر ما أوردناه في موضع آخر من هذا البحث من أن الناقد القديم، أو