للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويتفق مع الدكتور إبراهيم عبد الرحمن في أنه عدَّ المرأة مفتاحًا لمغاليق القصيدة الجاهلية، ويقرِّر أن المرأة كانت رمزًا للآلهة الشمس.

وعندما تحدّث عن المقدمة الطللية ألفى أنها ترمز في عمومها إلى ما تخلفه الشمس الراحلة على الخصب الزراعي، كما وجد رابطة بين صور الحيوانات "الظليم والفرس والناقة" وصور نجوم السماء, مما يدل على أن الشاعر كان يتطلع إلى هذه النماذج الحيوانية بأنها مثل موجودة في السماء, وربط بين قصة الثور الوحشي والكلاب، ومجموعة النجوم التي تسمَّى الثور والكلب الأكبر والكلب الأصغر والجبار. ويضع الباحث احتمالًا لأن تكون الرموز الدينية رموزًا وجودية؛ فالطلل يرمز إلى اليأس الوجودي، والمرأة ترمز إلى الأمل، ورحلة الصحراء ترمز إلى العمل، والناقة إلى القوة, وقصة الصراع الحيواني رمز للصراع الإنساني من أجل تحقيق آماله، وهو لا يجد بعدًا شديدًا بين الرموز الدينية والرموز الوجودية. ويرى الباحث أن الشكل تتجلى فيه الفلسفة الجاهلية الأيقونية التي تعد الزمان غير النهائي، وتعد المكان نهائيا، أما المكان فيحفظ الشاعر الجاهلي له وحدته، ويحطم الزمان، وتتجمع الأزمنة الثلاثة فيه: الماضي والحاضر والمستقبل, كما تظهر تلك الفلسفة أيضًا في التشبيه الذي يترابط فيه الحسّ والمعنى، وتتجلى أيضًا في بناء القصيدة الجاهلية العضوي، فالبناء العضوي في الشعر الذي ينبع من النظرية "الأيستمولوجية" من عامل الوحدة التي تربط بين الموجودات، وهي الرابطة العظمى في الشعر.

ويرى أيضًا أن الشاعر الجاهلي لم يكن يحلل كما تقول المثالية، ولم يكن يركب كما تقول التجريبية، بل كان يحلل ويركب معًا: يحلل المثال ويركب من المادة, ولعل هذا التناقص الناتج من التقاء التحليل والتركيب نوع من التفرد امتاز به الشاعر الجاهلي والقصيدة الجاهلية.

أما الدكتور علي البطل: فقد ذكر في مقدمة كتابه "الصورة في الشعر العربي حتى أواخر القرن الثاني الهجري" دراسة في أصولها وتطورها١, أن منهجه أسطوري؛ لأن بحثه "يحاول أن يكشف عن وجه للشعر العربي كان محتجبًا طيلة هذه الحقبة الطويلة من عمره, وهو وجه ارتباطه الوثيق بالحياة الدينية والأساطير القديمة التي


١ صدر عن دار الأندلس، بيروت، ط١: ١٩٨٠م.

<<  <   >  >>