للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يلمس من الأشياء, ويلي ذلك الصورة الشمية، وقد يمزج الشاعر بين الصورتين اللمسية والشمية، ويلي ذلك الصورة السمعية فالذوقية.

أما "الصورة وبناء القصيدة الجاهلية"١: فيتناول قضية خطيرة في النقد الحديث, وهي الوحدة في الشعر الجاهلي، وهو يرى أن العلاقة بين الذات والموضوع لم تكن موجودة وحدها في العصر الجاهلي, بل وجدت علاقة أخرى هي علاقة بالآلهة، ونتيجة لهذه العلاقة قد يتحدد الموضوع، فالفكر الجاهلي يمكن تصوره على صورة مثلث رأسه الآلهة وأحد طرفيه الإنسان والآخر عالم الأعيان, وهكذا فالفكر الجاهلي هو العلاقة بين ذات وموضوع وآلهة.

وتتبدى هذه الوحدة في مواقف القصيدة الجاهلية، وهذه المواقف تتعدد وتتكون من ثلاث علاقات: علاقة الذات بالآلهة، وعلاقة الآلهة بالموضوع، وعلاقة الذات بالموضوع.

وبناء القصيدة الجاهلية في رأي الباحث، بناء توافقي٢ كمعلقة زهير؛ حيث كان الموضوع هو إحلال السلام بين القبيلتين، وهذا السلام جاء نتيجة لحكمة من سَعَيَا إلى دفع الديات.

وثمة نوع آخر هو البناء المفارق٣, وهو الذي يتعارض فيه موقف الآلهة من الموضوع مع موقف الشاعر منه. ويتبدى هذا البناء في الموضوعات القدرية التي لا يملك الإنسان دفعها كالموت والشيب والجدب, أو فيما يمكن رده إلى الآلهة، ومثاله: عينية الحادرة.

والنوع الثالث: هو البناء المتطقع٤، وهو أن تكون القصيدة مكونة من موقفين هما: الذات والآلهة، والذات والموضوع، ولا يظهر الشاعر موقف الآلهة من الموضوع، ومثاله: قصيدة بشر بن أبي خازم "البائية" التي مطلعها:

تنعاك نصب من أميمة منصب ... كذي الشوق لما يله وسيذهب

وتبدو الأبنية الثلاثة السالفة الذكر منبثقة من النظرة الجاهلية الأنتولوجية،


١ نفسه ١٩٢ وما بعدها.
٢ الصورة الفنية ١٩٤ وما بعدها.
٣ نفسه ٢٠٠ وما بعدها.
٤ نفسه ٢٠٥ وما بعدها.

<<  <   >  >>