للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الجاهلية من حيث هي رموز تضمر ما لا يبتبدّى على سطحها"١.

٧- ثَمَّة ثلاث علاقات تؤلف واقع المعلقات الأعمق، هذا الواقع المنفتح على الخارج الاجتماعي والطبيعي، والعلاقات الثلاث هي:

أ- حسّ الافتراس والصراع الدائر في طبيعة ماهيتها الشح من جهة، والنقض من جهة أخرى، أي: إن الجاهلي يسكنه شعور فحواه أن الطبيعة عبر قحلها تفترس الإنسان، وأن الإنسان يفترس الإنسان كذلك عبر التصاول الاجتماعي اليومي.

ب- انبساط النزعة الفردية في تضخماتها واعتدالاتها، من حيث هي ردّ الفعل النفسي على الشعور باللا أمن.

ج- الموقف النقدي من الحضارة وقيمتها القمعية العاملة على إقامة جدار من اللا تلبية أمام الغرائز المندفعة نحو الإشباع "معلقتا امرئ القيس وطرفة"٢.

٨- إن الشعر الجاهلي هو بمعنى ما مقاومة الطبيعة للتاريخ، استعصاء الإنسان على الاصطناعي وتمنعه، وبالتالي فهو صيحة أصيلة تبتغي التحرر وحماية الحياة٣.

٩- لئن كانت النزعة العشائرية قابلة للاختفاء في بعض المعلقات، فإن النزعة الفردية قلَّمَا تغيب عن المعلقة, بل وعن الشعر الجاهلي بوجهٍ عام, فمعلقتا امرئ القيس وطرفة تمثلان ترسيخ الخصوصية الفردية والتشبث بها ورفض التنازل عنها إزاء حركة الدغم الاجتماعية. وأما معلقة زهير فتمثل أعلى درجات الانصياع الفردية للكلية، وكذلك النزوع نحو أرقى حالات الالتئام الاجتماعي ككل, ويعكس لبيد جنوحه للسلم وإدانته للعدوان, وضرورة ارتداد الشر على البادئ, وذلك عبر قصة البقرة الوحشية. وتأتي معلقة عمرو بن كلثوم كتعبير عن النزوع الجامح نحو تأييد العشائرية والرفض المطلق للتنازل


١ بحوث في المعلقات ٣٥.
٢ نفسه ٤٦-٤٧.
٣ نفسه ٤٩.

<<  <   >  >>