للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يستهدف قهر الاكتئاب، ودفع شبح الموت بالعمل الإبداعي، علمًا وفنًّا، يبقى بعد رحيل صاحبه حاملًا للأجيال المتعاقبة اسمه١.

ويرى إيليا حاوي٢ أن النقد يسير سيرًا عكسيًّا مناقضًا، حيث يتحرَّى عن الكينونة, ويعبِّر في مراحل التكوين, ويستقطب طبائع الأسلوب الخفية التي تؤثر في التجربة, وفي تجسيدها يفسر الظواهر الصامتة بأبعادها النفسية والوجودية، فتتبدَّى له التجربة الفنية وكأنها أداة كلية تتعرض للكون والطبيعة والإنسان عبر فلذاتها المجزوءة، كما يرى أن الطبيعة المبدعة هي التي تتفتق عبرها رموز الكون والنفس، وهي التي تكتنز في رحمها وأحشائها الحقائق الكبرى.

والنقد الصحيح -كما يراه حاوي٣- للأثر الأدبي يشتمل على كثير من التعقيد، ويستحيل في أحيان كثيرة إذا لم يكن لدى النقاد قدرة على الولوج إلى الأصقاع النفسية والفنية التي خلص إليها الشاعر في كده للتعبير عن المشاعر المظلمة التي تدلهمّ في أعماق وجدانه. وقد أجمع النقاد المعاصرون على أن الشعر ليس تعبيرًا عن الحقيقة الذهنية, بل هو ذلك السراب النفسي الذي يوهم بها، والذي لا يبرح يغرر بالإنسان ويسوقه إلى تنازع البقاء والتوغل في عبث الفكر والوجود.

والشعر، من وجهة نظره غالبًا هو تعبير عن الذات المظلمة في الشاعر، تلك الذات التي تختلج في وجدانه، وراء ما يعيه ويفهمه، وما يتداول به من شعور ظاهر٤.

فالنقد، كما يراه٥، ليس تقريرًا, وإنما هو تحليل لما يقع في "لا وعي" الشاعرن, فالنقد الصائب هو محاولة لمعانقة التجربة الشعرية في ضمير صاحبها, والحلول فيها واكتشاف أبعادها.

وفي محاول تطبيق منهجه هذا على الأدب العربي, كان له كتَّابه ذو الأجزاء.


١ فرج أحمد فرج: فصول مجلد١, عدد٢ "١٩٨١", ص٣٥.
٢ إيليا حاوي: في النقد والأدب٥.
٣ نفسه ١٣.
٤ نفسه ١٥.
٥ نفسه ٢٥.

<<  <   >  >>