للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهو يرى أن شعر الزهد يمثل شعور الجماعة, بينما يمثل شعر التأمل في الموت شعور الفرد، ولهذا فإن شعر ميتافيزيقا الموت هو شعر أصيل لنفس حساسة بمقياسها الخاص, ولو قلنا: إن مجال الشعر هو الإنسان وحده، والإنسان الطبيعة، والإنسان والمجتمع، لكان شعر تأمل الحياة والموت هو المنحى الأول في شعر الإنسان منفردًا, وهو يضرب ذلك أمثلة لشعراء جاهليين منهم: طرفة وأبو ذؤيب والأفوه الأودي وكعب بن سعد الغنوي.

وإن لكل شاعر نغمه الفريد، ولكن ما نلحظه فيهم جميعًا أنهم يحبون الحياة وإن كانوا يرون الموت قدرها المقصود، ولعل تلك هي أول ملامح النظرة الميتافيزيقية التي تمزج بين الموت والحياة في الخاطرة الواحدة١.

وتظل الطبيعة صامتة حتى تتحدث بلسان الفنان ووجدانه، أو بقلمه وألوانه، فتتجلّى عندئذ ألوانها وظلالها، ونورها وظلامها, ولم يكتف الشاعر الجاهلي بالوصف الظاهر مجمدًا للصورة، وباحثًا لكل شيء عن شبيهه في اللون أو الشكل ليشبهه به, ولكنه لمس أخفى ما في الطبيعة وأدقه، وهو في الوقت ذاته جوهرها وروحها، ذلك هو عنصر الحركة فيها، فالطبيعة حولنا ليست ثباتًا مطلقًا، ولكنها تغير مستمر، وهذا التغير هو دليل النماء والحياة فيها٢, ويرى أن الطبيعة لا تكتسب الحياة إلّا إذا اصطبغت برؤية الشاعر وحالته النفسية.

وللدكتور يوسف خليف دراستان في الشعر الجاهلي، إحداهما: خصصها لدراسة الشعراء الصعاليك٣ والثانية: "دراسات في الشعر الجاهلي"٤, والدراسة الثانية في الأصل كانت بعض مقالات نشرها في فترات مختلفة في دوريات متخصصة، ثم طوَّرها وجمعها في هذا الكتاب.

ويصرّح في مقدمة الدراسة الثانية أنه ما زالت هناك جوانب في حاجة إلى مزيد من الدراسة لكشف ما يكتنفها من غموض، وتجلية ما يحيط بها من حجب, وإن هدفه من هذه الدراسة يقف على بعض هذه الجوانب الغامضة٥, وقد تخير من هذه المشكلات أربعًا هي:


١ صلاح عبد الصبور ٤١.
٢ صدر عن دار النجاح، بيروت، ١٩٧٣، ٦١.
٣ صدرت عن دار المعارف بمصر ١٩٥٩.
٤ صدرت عن مكتبة غريب بالقاهرة ١٩٨١.
٥ دراسات في الشعر الجاهلي٥.

<<  <   >  >>