للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويتبنَّى الباحث في مقدمة الدراسة رأيًا مفاده أن تطبيق الناقد لنظرية جمالية أو فنية على أثر معين من آثار الفن هو حكم سابق لا مسوغ له، ودراسة تنقصها النزاهة التي يفترضها القارئ في النقاد؛ لأن الناقد الحق مشاهد لا يحتاج إلّا إلى أن يرى الأثر الفني كما هو في ذاته, وأن الأثر الفني الأصيل المبتدع لا يخضع بطبيعته لمقاييس سابقة انتزعت من أثر آخر له تفرُّده وأصالته.

ولكن الباحث يستدرك بأن ذلك لا يعني جهل الناقد بنظريات النقد والجمال, فرصد الناقد المنظر الأثر الفني قد ينطوي على كشف وجهٍ من وجوه ذلك الأثر، أو في الأقل، تصويره من زاوية إنسانية معينة، وعلى بعد معين منه، مما قد يعين على فهم أعمق لذلك الأثر الفني الفريد, ولكنه يعترف بأن مخاطر مثل هذا النقد تبقى ماثلة ما لم يكن الناقد مدركًا لها، عارفًا أن مثل هذا النقد قد يكون حكمًا سابقًا متحيزًا، وقد يقتصر على كشف عناصر النظرية وأهواء معتنقها مما هو بعيد عن الأثر المبتدع، غريب عليه١.

ويعترف أيضًا أنه استضاء بنظريات الأدب ومصطلحاته في مختلف العصور، ولكنه حاول ألا يكون أسير تلك النظريات والمصطلحات، وجهد أن ينتزع نفسه من قيودها في دراسة جوانب الأدب العربي القديم، ولكنه لا يجزم بأنه نجا من حبائل تلك النظريات غير المنظورة٢.

وفي حديثه عن "الأدب العربي القديم ونقده" يبدي ملاحظتين: أولاهما: إن الأدب يسبق معايير النقد، وثانيتهما: لا يصح مسلك النقاد العرب في هذه الأيام، أو مسلك كثير منهم على وجه التحديد، في تطبيق معايير النقد الغربي ومصطلحاته على الأدب العربي، لا سيما القديم منه٣.

ومما يأخذه عليهم أن يسلكوا الشعر الجاهلي عامة في باب الشعر الغنائي، وأنهم بعد ذلك يحاولون أن يتحرورا فيه عمَّا يمكن أن يكون شبيهًا بالشعر الملحمي أو الشعر القصصي, وقد فاتهم أن الشعر الجاهلي نمط مستقبل من الفن يختلف عن آداب الأمم الأخرى، وأنه ابن تلك الصحراء٤.


١ مواقف في الأدب والنقد ٦٥.
٢ مواقف في الأدب والنقد ٧.
٣ نفسه ٢٥.
٤ نفسه ٢٦.

<<  <   >  >>