٤- لقد حدث للأمة العربية نفس ما حدث لها حين تصدت للشعوبية في العصر العباسي، فعندها فزعت إلى أدبها وتاريخها الجاهلي تدونه وتوثّقه وتشرحه وتلوذ به, وفي العصر الحديث تكرَّر ما حدث بالأمس، فمن أجل البحث عن الذات، ومن أجل تحقيقها في مواجهة محاولات طمس هذه الذات، لجأت إلى ذلك الأدب الذي يربطها بالأصول والجذور.
وتشكل الدارسات التالية بدايات التنبه إلى دراسة الأدب القديم بعامَّة والجاهلي بخاصة، دراسات تختلف عمَّا كانت عليه الدراسات في العهود الماضية، وقد حاول أصحابها الإفادة بشكل أو بآخر مما تناهى إليهم من الشرق والغرب ممتزجًا برغبة الدراسات, فنميز منها: الوسيلة الأدبية للشيخ المرصفي, و"الشعر الجاهلي" و"الأدب الجاهلي" لطه حسين، و"تاريخ آداب العرب" و"تحت راية القرآن" للرافعي، و"تاريخ آداب اللغة العربية"، "وتاريخ العرب قبل الإسلام"، و"تاريخ التمدن الإسلامي" لجروجي زيدان، وما كتبه العقاد، وأولئك الذين تصدّوا للرد على طه حسين.
وقد شكَّلت هذه الدراسات قاعدة انطلاق للتوجه نحو بعث التراث وتحقيقه وتنقيته من المنحول، ولفت أنظار الباحثين إلى زوايا وقضايا كثيرة لم يلتفت إليها في السابق.
ونستطيع أن نفرز القطاعات الفاعلة التالية التي كان لها دور في خدمة الأدب الجاهلي:
١- الجامعات العربية في أقطار الوطن العربي: وقد تمثَّلت جهدها في دور أساتذتها في تعريف طلبتهم بالأدب الجاهلي، ومناهج دراسته المختلفة، كما تمثَّلت في بحوثهم، والرسائل الجامعية لنيل الدرجتين الماجستير والدكتوراه، وتمثَّل كذلك في الدوريات التي أصدرتها، وكذا في المؤتمرات العلمية.
٢- المجامع اللغوية في كلِّ من دمشق والقاهرة وبغداد وعمان: وتمثَّلت جهودها في نظر التراث المحقق تحقيقًا علميًّا، وفي دوريات تلك المجامع، والمؤتمرات الدورية.
٣- جهود فردية لا يقل أثرها عن جهد السابقين.
وسنتحدث عن جهود كلٍّ بقدرٍ من التفاصيل بما يبرز دوره, ومدى ما أفاده الشعر الجاهلي منه.