باب: اختلاف مذاهبهم في كيفية التلاوة, وتجويد الأداء
اعلم أن القراء مجمعون على التزام التجويد، وهو إقامة مخارج الحروف وصفاتها، فأما أسلوب القراءة، من حدر وترتيل، بعد إحراز ما ذكرنا، فهم فيه متباينون غير مستوين.
فحمزة، والمصريون عن ورش عن نافع، يُمططون اللفظ١، ويمكنون المد والتشديد، ويزيدون أدنى مد في حروف المد واللين، نحو قوله تعالى:
{يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} ، و {فِي سَبِيلِ اللَّهِ} ، و {الْمِيعَادَ} ، و {مِيرَاثُ} ، و {يَأْمُرُهُمْ} .
ويشبعون الحركات حيث كانت، نحو قوله تعالى:
{الرَّحِيمِ، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}[الفاتحة: ٣، ٤، ٥] ، و {الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ}[المائدة: ٣] ، و {الْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ}[المائدة: ٣] وشبه ذلك، وهذا هو الإشباع الذي نص عليه سيبويه فقال:"هذا باب الإشباع في الجر والرفع، وغير الإشباع والحركة كما هي، فأما الذين يشبعون فيمططون، وعلامتها واو وياء، وهذا تحكمه لك الشفاهة، وذلك قولك: يضربها، ومن مأمنك".
وأما قالون وابن كثير وأبو عمرو فقراءتهم على خلاف ذلك؛ لأنهم يذهبون إلى السهولة في التلاوة والحدر والتدوير، من غير إفراط في التشديد، ولا مبالغة في التحقيق.
وكذلك قراءة الكسائي قراءة بين القراءتين إلى الحدر ما هي. وكذلك ابن عامر، وقد حكي عن ابن ذكوان عنه الأخذ بالتحقيق.
وأما عاصم فكما وصفه شريك بن عبد الله, صاحب مد وهمز وقراءة شديدة، وهو في ذلك دون حمزة؛ ولهذا كله حدود تحكمها المشافهة، فلا يدفع أن يكون
١ بحيث لا يختلّ المعنى, فلا يزيد في الحركة حتى لا يتولد منها حرف مد.