قال لي أبي -رضي الله عنه: ما ذكراه من إظهار ياء {وَاللَّائِي} عند ياء {يَئِسْنَ} خطأ، ولا يمكن فيها إلا الإدغام، وتوالي الإعلال غير مبالى به إذا كان القياس مؤديا إليه، والقياس في المثلين إذا سكن الأول منهما الإدغام في المتصل والمنفصل، ألا ترى أنهم أعلوا الأمر في نحو قولهم: ش ثوبك، ولِ زيدا، إعلالا بعد إعلال، فجمعوا فيه بين حذف الياء التي تحذف في "ارم، واقض" وحذف الواو التي تحذف في "عد، وزن" وليس مثل مضارع "وتد" حين قالوا "يتد" ولم يقولوا: "يد" لأن إدغام المتقاربين في كلمة ليس بقياس، ولو كان قياسا عندهم لم يكرهوا "يد" كما أنه لو كان الإدغام أوجب من حذف الواو لقالوا: يود في "يوتد" فأثبتوا الواو ونقلوا إليها حركة التاء، فتركوا ذلك في المتقاربين كما تركوه في المثلين من كلمتين لئلا تنتقض الأقيسة، وتنخرم الأبواب، على حد ما يشير إليه سيبويه في الكتاب، وقل من يضبط ذلك عنه، وإنما يأخذ في هذا بالإظهار لهما من اعتقد أن الهمزة ملينة بين بين لا مبدلة.
قال أبو جعفر: وسأذكر عبارات القراء لهما في موضعه، فأما سكوتهم عن هذا الحرف فيما أدغم فليس فيه دليل على أنه يجب إظهاره، بل فيه دليل على وجوب الإدغام لكونهما مثلين أولهما ساكن، فالإدغام واجب كما كان واجبا في النظائر، فلوجوب الإدغام فيه استغني عن النص عليه، فثبت بكل ما ذكرنا أن إدغام:{وَاللَّائِي يَئِسْنَ} لأبي عمرو واجب في الإدغام الصغير، فلا وجه لذكره في الإدغام الكبير.
فأما "ماليه، هَّلك"[الحاقة: ٢٨، ٢٩] لمن أثبت هاء السكت وصلا فالأخذ لهم بالإظهار؛ إلا ورشا فالأخذ له بالوجهين من الإظهار والإدغام؛ لأنه قد روي عنه نصا نقل الحركة في:{كِتَابِيَهْ, إِنِّي}[الحاقة: ١٩, ٢٠] على التشبيه بالأصلي الثابت في جميع أحواله، وقياسه الإدغام، ومن أخذ له في ذلك بغير نقل أخذ له في هذا بالإظهار، وهو الوجه، وكلاهما معمول به، هذا مأخذ المقرئين.
قال لي أبي -رضي الله عنه: وجه الإدغام في: "ماليه، هَّلك" أنه وصول إلى حمل الوصل على الوقف، ثم اعترض فيه التقاء المثلين، فلم يكن بد من الإدغام, فأما من أظهر فإنه واقف لا محالة وإن لم يقطع صوته.