للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فني واحد بخاصة. على أن النقد الحديث لم يعد، في اكثر الأحوال، يقبل وضعه القديم من حيث كان ملحقاً بالأدب الخالق أو الأدب القائم على الخيال. فإذا عرفنا الفن بأنه خلق لنماذج من التجربة ممتعة ذات معنى، أو قلنا إنه نسج للتجربة الإنسانية في نماذج ممتعة ذات معنى، اتضح أن الكتابة القائمة على الخيال أو الكتابة النقدية كليهما فن حسب هذا التعريف. والفرق بينهما أن الأدب الخالق ينظم تجاربه التي استمدها من الحياة بنفسه، استمدها من " رأس النبع " في أكثر الأحوال، أما النقد فينظم تجاربه المستمدة من الأدب الخالق أي من الحياة بعد أن نقلها الأدب نقلة جديدة. وإذا شئت فقل إن كليهما وع من الشعر، ولكل واحد منهما حظه من الاستقلال بقدر ما بينهما من اتصال. لقد كتب ت. س. إليوت في مقال له عن " مهمة النقد " (١) سنة ١٩٢٣ يقول: " لا أظن أن متحدثاً واحداً عن النقد استطاع أن يدعي؟ محيلاً مجاوزاً للمعقول؟ بأن النقد فن غاية في نفسه ". ولكن إن لم يجهر أحد بهذه الدعوى؟ محيلاً مجاوزاً للمعقول؟ في سنة ١٩٢٣ فليس من شك في أن النقد الحديث الذي بدأ في السنة التالية بنشر كتاب رتشاردز " مبادئ النقد الأدبي "، قد ظل يعمل في حدود هذه الدعوى.

ومجمل الأمر ما عبر عنه ر. ب. بلاكمور حين قال: " النقد شيء قائم بذاته ولكنه ليس بحال فناً منفصلاً مستقلاً ". وقد كان النقد الحديث في الواقع العملي كذلك: غاية في نفسه تماماً، ومرتبطاً بالشعر ارتباطاً لا انفصام له. أي أنه كان، كأي نقد آخر، يهدي الفن ويغذيه ويحيا مستقلاً عنه، وهو من ناحية أخرى أمة للفن، طفيلية في أردأ أحوالها، معايشة


(١) هو المقال في كتابه " مقالات مختارة " Selected Essys ص ٢٣ - ٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>