للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

في أميركة (١) ، عصر التوسع التجاري ومقاييسه الكاذبة التي سنها رجال الأعمال، وبها اضطر الأديب لأن يعين رجل الأعمال المرهق على الراحة والاسترخاء، لئلا يتحطم. وربما كان في هذين العاملين نصيب أساسي من الصدق، غير أن بروكس حين يحاول أن يشد توين إلى سرير موضوعه البروكرستي (٢) - حتى يحصل على المواءمة التامة؟ يجد نفسه مضطراً إلى أن يبتر هنا ويمط هناك، وأعني بالبتر أنه يستخف كثيراً بما أداه توين فيطلق عليه اسم مؤلف كتب ذات " مستوى هابط " لا تتجاوب معها إلا " العقول الفطرية الساذجة "، أما المط فهو مغالاته في تصوير مقدرة توين مؤكداً أنه كان في إمكانه أن يصيب حظ فولتير أو سويفت أو سرفانتس (٣) . حقاً إن قلة من كتب توين هي التي لا تزال تستحق القراءة أما سائرها فقد أصبح اليوم مملاً صبيانياً، ولكن الحق أيضاً أن تلك القلة، وبخاصة " هكلبري فن " Huckleberry Finn و " الحياة على المسيسبي " Life On the Mississppi لا تزال أدباً من الطراز الأول. فحين يزعم بروكس أن توين؟ تحت ظروف أخرى؟ كان يستطيع أن يكتب " رحلات جلفر " أو " دون كيشوت " فهو مخطئ، وحين يزعم أن ما استطاع أن يكتبه؟ هك فن مثلاً؟ لا


(١) العصر المذهب في أميركة The Gilded Age هو فترة ما بعد الحرب الأهلية حين كان يسيطر على حياة الناس جشع جامح، وقد كتب توين قصة بهذا الاسم صور فيها الفردية في عصر ن القيم المبددة، ومن القصة أخذ الاسم فأطلق على الفترة نفسها؛ وفي قوله " المذهب " بدلاً من " الذهبي " إشارة إلى أن هناك خداعاً وتزويقاً ظاهرياً.
(٢) نسبة إلى بروكرست Procrustes وهو فيما تروي الأساطير لص كان يقطع الطريق على المسافرين ويشد الواحد منهم إلى سرير فإن تجاوزه قص من رجليه، وإن قصر عنه مطه حتى يسويه به.
(٣) بعد أن أكملت هذه المقالة بوقت عثرت على تلك الدراسة الممتازة " أميركانية فإن ويك بروكس " للكاتب ف. و. دوبي F. W. Dupee وقد طبعت في The Paretisan Reader سنة ١٩٤٦ نقلاً عن Partisan Review سنة ١٩٣٩. وقد لحظت أن دوبي تقدمني إلى الالماع لهذه النقطة (وهذا نص عبارته: " ولقد كان في مقدور صاحبنا أن يكون تولستوي آخر، لو وجد ظروفاً أحسن) - وإلى عدد آخر من النقاط.

<<  <  ج: ص:  >  >>