وهذا التطابق التام بين الأديب وإنتاجه قاد سنت بيف إلى دراسة مسهبة لحيوات أهل الأدب، ابتداءً من المظهر الجسماني إلى أدق التوافه التي تملأ حياتهم اليومية. وقد استطاع أن يحصل من هذا الركام على بصر نافذ بالأديب وإنتاجه، وهو شيء عجز عنه الأدباء الثرثارون الذي اتبعوا طريقته؟ إلا قلة منهم -. وبين الحين والحين وسع في مجال السيرة؟ كما في مقاله عن جبون؟ فجعلها دراسة شاملة للعلاقة بين الأديب وعصره وبيئته، واضعاً بذلك أصول اتجاه جرت فيه الطريقة من بعد على يد تين، أكبر تلامذته. فقد بدأ تين نقده بدراسة السير مثل سنت بيف (ودراسته لبوب على أساس من علله الجسمانية في " تاريخ الأدب الإنجليزي " تدل على أنه لم يتنكر للطريقة إطلاقاً) ولكنه سرعان ما حولها إلى النص على الجنس والعصر والبيئة فأصبح ناقداً للأدب اجتماعياً حتمياً من النوع الذي يمثله النقد الماركسي في أيامنا.
وزيد على هذه الحصيلة عنصر فكري يعتزي إلى ألمانية، فقد صرح غوته أن الفن ينبع من المرض وأنه نوع من الاحتجام. وحول وحول شوبنهاور هذا الرأي إلى النص على آلام الفنان، وأضاف إليه نيتشه تعديلاً يقول إن الفن ليس فحسب نتاج المرض، ولكنه تسجيل له، وأن كل فلسفةٍ اعتراف أو " نوع لا إرادي لا واعٍ من الترجمة الذاتية ". أما ماس نورداو فقد أشاع المبدأ القائل بأن العبقرية نوع من المرض العصبي في كتابه " الانحطاط " Degenerration. وحديثاً أكثر توماس مان من القول بأن الفن ينتج من المرض والاضطراب العصبي، مثلما تنتج اللؤلؤة من الصدفة، إلا أن الفن يكون نتاجاً لهذا المرض ووصفاً وتسامياً به؟ أكثر من هذا القول حتى عرف به؟ وهذا الرأي بالطبع هو نظرية " الجرح والقوس " التي انتحلها ادموند ولسن (١) لنفسه. لكن إن جردنا هذا الرأي من النص على المرض والاضطراب