للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هي شيء أعمق من ذلك بكثير. فمثلاً: ليس في مسرحية " تيمون الأثيني " التي تتحدث جزافاً عن الذهب (فيها مائتا إشارة للذهب) إلا صورة واحدة منتزعة من الذهب، في الحقيقة، أما الصورة التي تهيمن على المسرحية، فهي صورة الكلب المتبصبص الذي يعلق القند المذاب، أي المجموعة التي اهتدى إليها وايتر. وتعتقد الآنسة سبيرجن، كما لابد أن يعتقد أي واحد وجد لديه هذه الشواهد، أن هذه الصور المسيطرة في المسرحيات كانت، فيما يحتمل، لا شعورية عند شكسبير. وتستثني من ذلك، وحق لها، موضوع الجسد الإنساني في " كوريولانس " وتعده " أنموذجاً متعمداً " لأنه يقع على سطح المسرحية، وهو أيضاً الموضوع والمجاز الدائر حول " جسم الدولة " في المصدر الذي استقى منه شكسبير فكرة مسرحيته، أعني " حياة كوريولانس " لفلوطارخس (١) .

ولا تحاول الآنسة سبيرجن أن تبحث عن العوامل التي نجد تعبيرها في هذه الدوافع الموجهة؟ أن تبحث عنها في ذات شكسبير نفسه، ولكن مرة أخرى أقول: ربما كان هذا مما أرجأته لتتحدث عنه في جزء آخر. وهي تدرك في الوقت عينه أن الصور قد تمنح إحدى الشخصيات استحساناً أو استهجاناً، لا نعثر على أحدهما في ظاهر النص، وبذلك تعكس الاتجاه الظاهري فيه (إن عظمة ماكبث تتردج في السموق عن طريق الإشارات والتلويحات ولكنها تتضاءل في الصور) . وكذلك تدرك أن الصور قد تبعث أثراً متزايداً من العاطفة أو التوتر، وأنها تستطيع أن تصرح عن طبع الشخص الذي يستعملها وشخصيته، حين يعجز شيء سواها عن أن يفعل ذلك. ومن ثم تكون هذه الصور ابتداعاً لا شعورياً، ليعبر عن


(١) يعني أن تشبيه الدولة بالجسم، وكل عضو يقوم بوظيفته فيه، وقصة الأعضاء التي اشتكت تحكم المعدة واستبدادها، قصة مستقاة من فلوطارخس وقد وردت في مسرحية " كوريلانس "، ولكن الآنسة سبيرجن تراها صورة على سطح المسرحية.

<<  <  ج: ص:  >  >>