للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بعد أن ينزاح من أمامهم جيل رائج الكتب، قصير عمر الشهرة. أما السبب في عدم إقبال القراء عليه أو عزهم عن قراءته فانه يرجع إلى تهمة " الغموض " أو " الرطانة " التي يستعملها. ولقد قال في " مقولة مضادة " دون أن يهدف إلى الدفاع عن نفسه: " هناك أشكال من البراعة كالتعقيد والحذاقة والعمق والصرامة في الأسلوب تحدد من رواج الكتاب حتى يصبح كأنما هو كتاب في الرياضيات العالية ". والحق في كتابة بيرك في ذاتها واضحة مستقيمة غير ملتوية أما الغموض فمرجعه إلى المبادئ والمصطلحات حتى أن كرو رانسوم أقصى ناقديه لم ينكر عليه أبداً جمال الأسلوب الأدبي. أما اتهامه بالرطانة فانه اتهام صائب لأنه منجذب أحياناً إلى الأسلوب الفلسفي الألماني ويدافع عن " تسمياته المحيرة " ويعدها " نوعاً من الشعر " وهو يقترب من رطانة تلك الفلسفة في مصلحات استعملها مثل المبدأ الملثوسي الجديد - المنظورات من خلال التباين، وهكذا.

وليبرك أيضاً انتحاءات أسلوبية مزعجة لقرائه منها استعماله الكلمات حسب المعاني التي يريدها، ووضعها بين معقفين " " وتذييل متنه بالشرح والتعليق وقد تكاثرت هذه التعليقات في كتبه على شكل قوس فكانت قليلة في " مقولة مضادة " وكثرت في " الثبات والتغير " وازدادت في " النزعات " وعادت تقل في " فلسفة الشكل الأدبي " وانعدمت في " نحو الدوافع ". وقد بلغت التعليقات بقدر المتن في " النزعات " وتوازت معه توازي الخاص والعام، والعارض والعمد، والإيحائي والساطع. وقد نثر في الحواشي إيحاءات بأشياء لم يسعفه الزمن على مزاولتها مما قد يحتاج " فيلقاً " من النقاد يعملون فيه طوال حياتهم. كذلك فان إدراج مادة في الحاشية مغايرة للمادة التي في المتن تصيب القارئ بالشيزوفرانيا، ولعل هذا الازدواج نفسه يوحي بانفصام في عقل بيرك نفسه لكنه استطاع أن

<<  <  ج: ص:  >  >>