للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

" ٨ "

إعادة صوغ الفكر السياسي اليوناني

في أسلوب أدبي

من السهل أن ندرك لماذا احتل الفكر السياسي مقاما هاما بين المسلمين، فهذا الفكر؟ سواءا أكان فارسيا أو يونانيا أو غير ذلك - هو أهم زاد ثقافي للأمراء والحكام، وهو أيضا المادة الثقافية الأولى التي يعول عليها الكاتب أو من يرشح نفسه ليكون كاتبا مترسلا في الديوان، ولماذا كانت الكتابة في معظمها ديوانية فإن شعلة هذا النوع من الفكر ظلت مضاءة على مر الزمن، رغم تغير الأزمان والأمكنة، وفي طليعة هذا اللون من الفكر تجيء الكتب التي يمكن أن يطلق عليها " مرايا للأمراء "، وهي نصائح سياسية تسدى للأمير أو ولي العهد حتى يكون سياسيا ناجحا، وتقوم على قاعدة أخلاقية، وعن طريق هذه القاعدة ترتبط بالدين، وينظر إليها بشيء كثير من التقدير، حتى وإن كانت مصادرها بعيدة كل البعد عن أصول الإسلام. وقد لحظ أبو الحسن العامري ٠أن الأدب الكبير لابن المقفع إنما يعتمد القواعد الأخلاقية التي جاءت في كتاب المجوس " الأبستا " وانه مع تقدمه في ذلك غير لائق شيئا منه بالقرآن " وكيف يظن به ذلك وقد علم أن الشرف الأنسي عند ملوك العجم كان معلقا بالأنساب، وكانوا يحرمون على رعاياهم الترقي من مرتبة إلى مرتبة، وفي ذلك ما يعوق التراكيب السوية عن كثير من الشيم الرضية، ويعقد الأنفس الأبية عن حيازة الدرجات العلية " (١) ، ومع ذلك فإن العامري نفسه


(١) العامري: الأعلام بمناقب الإسلام: ١٦٠.

<<  <   >  >>