إذا وضع الدارس أمام عينيه فرضية مريحة؟ مرهونة بما استكشف حتى اليوم من مصادر - مفادها أن العرب لم يترجموا شعرا يونانيا، ومن ثم لم يتأثر أدبهم بذلك الشعر، لم يبق عليه إلا أن يحشد الأسباب التي أدت إلى ذلك، وخاصة إذا كان هذا الدارس ينظر نظرة مقارنة إلى ما تم في عصور الترجمة من نقل للفلسفة اليونانية وعلوم يونان. فقد يجد؟ وهو محق في ذلك - أن العرب كانوا يرون لهم في شؤون الشعر والبلاغة والفصاحة تفوقا يميزهم عن سائر الأمم، سواء أكان لهذا الشعور ما يسوغه أم لا، وأنهم لذلك كانوا يشعرون أن لا حاجة بهم إلى أخذ تراث الأمم الأخرى، خضوعا لهذا اللون من الاكتفاء الذاتي.
ثم إن الأدب اليوناني، سواء أكان بطوليا أو مسرحيا أو غنائيا، كان يتكئ على تراث وثني، يتعارض تماما والتوحيد الصارم، ولهذا لم يكن في الإمكان ترجمته، فإذا ما ترجم منه شيء؟ مهما يكن قليلا - فلا بد من تحويره ليتفق والروح التوحيدية.
ولما كان العرب يعتقدون أن تميزهم يرجع في الدرجة الأولى إلى القدرة على التعبير، ولما كان عصر الترجمة قد واكب ظهور الشعوبية التي تعيب على العرب تخلفهم في شتى الميادين، لم يشأ هؤلاء العرب أن يقروا بحاجتهم إلى معرفة ما لدى الأمم الأخرى من أدب، فإن مثل هذا الإقرار يسلبهم أبرز أنواع التفوق، أعني الميدان الأدبي.
ومما يدل بقوة على أن العرب لم يترجموا الآثار اليونانية الكبرى في الأدب، ما تم