للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الناس منها محتواها الأخلاقي، ولهذا لا يدقق الرواة في إلحاقها بصاحبها الحقيقي، وعلى هذا فمن الخطر في الدراسة الأدبية الاتكاء الكثير على هذه الأقوال في تبين شخصية المدروس ومنهجه العلمي ونظراته الفكرية. وقد يبلغ التهاون حدا بعيدا يصيب بعض الأقوال والمواقف التي أصبحت من الشهرة والسطوع بحيث لا يمكن نسبتها إلا إلى شخص واحد، فقصة المرأة التي وقفت تشتم زوجها، فلما أعياها صمته وهدوءه صبت عليه الماء فقال لها دون أن يفارقه هدوءه " كنت تبرقين وترعدين وأما الآن فقد أمطرت " مشهورة عن زوجة سقراط، ومع ذلك نجدها منسوبة إلى كل من فيثاغورس وأنكساغوراس (١) . وأبين من ذلك قصة الحكيم الذي اتخذ الحب مسكنا له، فهذه القصة معروفة عن ديوجانس الكلبي، ومع ذلك فإن المصادر العربية نسبتها إلى سقراط. جاء في مختار الحكم: " وقال له بعض تلامذته: أيها المعلم كيف لا نرى عليك أثر حزن؟ فقال له سقراط: لأني لا أملك ما إن عدمته أحزنني، فقال له سوفسطائي كان حاضرا: فإن انكسر الحب؟ وكان سقراط يأوي إذ ذاك في كنف حب - فقال سقراط: إن انكسر الحب فلا ينكسر المكان " (٢) ، ولهذا عرف سقراط في المصادر العربية باسم " سقراط الحب "، وقد قصر ابن أبي أصيبعة سكناه الحب على الفترة التي كان فيها مع الملك في المعسكر " فكان سقراط يأوي في عسكر ذلك الملك إلى زير مكسور يسكن فيه من البرد وإذا طلعت الشمس خرج منه فجلس عليه يستدفئ في الشمس " (٣) ويبدو أن الشهرستاني لم يأخذ الحكاية علة معناها الظاهري فتأول الحب بمعنى الجسد الإنساني (٤) أما القفطي فروى الحكاية على وجهها الظاهري فقال: " ويعرف بسقراط الحب لأنه سكن حبا وهو الدن " (٥) .


(١) البصائر ١: ٤٧٥ ومنتخب صوان الحكمة: الورقة ٢٤ وصوان (طهران) : ١١٥.
(٢) مختار الحكم: ١٢١ وبصورة موجزة: ٩٧. والقصة رواها حنين والكندي أيضا. انظر:
A.S. Halkin: Classical and Arabic Malterial in Ibn، Aknin " Hygiene of the Soul " (in American Academy of Jewish Research، Procee dings vol. Xiv، ١٩٤٤) P. ٥٠.
ويذكر من بعد باسم هالكن "
وأشار اليها كريمر: ٢٩٣ - ٢٩٤، وانظر رسالة الكندي في دفع الحزن (في الكندي فيلسوف العرب الأول لمحمد كاظم الطريحي) ص: ١١٩.
(٣) ابن أبي أصيبعة ١: ٤٣ - ٤٤ وهالكن: ٥١.
(٤) الملل والنحل ٢: ١٤٣ وهالكن.
(٥) أخبار الحكماء: ١٩٧ وهالكن.

<<  <   >  >>