للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ش: قد فعلت

وإذا نحن أمعنا النظر في هذا الحوار وجدنا فيه صورة من خرافة جاهلية وردت على ألسنة الحيوانات (إيسوبية المنزع) وذلك حين ذهبت الأرنب تخاصم الثعلب عند الضب، فقالت الأرنب: يا أبا الحسل، قال: سميعا دعوت، قالت: أتيناك لنختصم إليك، قال: عادلا حكيما، قالت: فأخرج إلينا، قال: في بيته يؤتى الحكم، قالت: إني وجدت ثمرة، قال: حلوة فكليها، قالت: فأختلسها الثعلب، قال: لنفسه بغى الخير، قالت: فلطمته، قال: بحقك أخذت، فلطمني، قال: حر أنتصر لنفسه، قالت: فأقض بيننا، قال: قد قضيت (١) .

أما شخصية لقمان التي أرجأنا الحديث عنها إلى هذا الموضع فإن التطابق بينها وبين شخصية إيسوب تم إلى حد كبير، كلا الرجلين كان عبدا دميم الخلقة، ثم أعتق، وكلاهما يرمز إلى أن بذلذة الهيئة والقماءة وقبح المنظر ليست مقياسا للذكاء ولا حائلا دون الحكمة، وهما يقفان عند حد قوله شقة بن ضمرة؟ وكان يشاركهما في دمامة المنظر، وقد وفد على النعمان، فأستهان به: " إنما المرء بأصغريه قلبه ولسانه (٢) "، وكلاهما له قصة مع سيدة تتعلق بهذين الأصغرين أيضا: لقمان أعطاه سيدة شاة وأمره بذبحها وأن يأتيه بأطيب ما فيها فذبحها وأتاه بقلبها ولسانها، ثم أعطاه في يوم آخر شاة أخرى وأمره أن يذبحها ويأتيه بأخبث ما فيها فذبحها وأتاه بقلبها ولسانها، فسأله عن ذلك فقال: هما أطيب ما فيها إن طابا وأخبث ما فيها إن خبثا (٣) ، وفي سيرة إيسوب حديث طويل عن الملأدبة التي أقامها سيده لتلامذته، وأمره أن يطبخ لهم أحسن شيء وأطيبه، فلم يطبخ سوى الألسنة (٤) ، وكلاهما كان يستعمل ذكاءه لإنقاذ سيده من ورطة يقع فيها:


(١) الدميري: حياة الحيوان الكبرى ١: ٢٠ وانظر رواية أخرى في الدرة الفاخرة: ٤٥٦ والمفضل بن سلمة: الفاخر: ٧٦ وجمهرة أمثال العسكري ١: ٢٣٠ والومخشري: المستقصى ٢: ٦١ وثمة رواية ثالثة في العقد ٣: ٦٦ ورابعة في أخبار الأذكياء: ٢٥٥ ومحاضرات الراغب ٢: ٤١٥.
(٢) انظر العقد ٣: ٢٨٧ - ٢٨٨ وفصل المقال: ١٣٧.
(٣) الدميري ٢: ٣٦ وبإيجاز في مختار الحكم: ٢٦٢، والمقترح في جوامع الملح (فصل في الصمت) (مخطوطة رقم ٣٣٥٨ من مجموعة يهودا بجامعة برنستون) .
(٤) دالي: ٥٦ - ٥٨.

<<  <   >  >>