للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

عند أهل غيره " (١) ، ولا إخال إلا أن هذا كله يعود إلى شيء من أثر الثقافة اليونانية.

ولم تكن تلك الحلقة الثقافية التي التأمت حول ابن أبي الرجال إلا نتاجا طبيعيا لتلك الحقبة الباديسية، التي يمثلها المؤرخ الكبير إبراهيم الرقيق (حوالي ٤٢٥/١٠٣٣) (٢) وقد كان إبراهيم جامعا لضروب من الثقافات الضرورية لمن يقوم بدور النديم ودور المؤرخ، وإذا كانت لفظة " الرقيق " صفة تتوجه إليه، لا إلى أبيه، فربما أوحى ذلك أنه لم يكن بعيدا بحكم الانتماء عن ثقافات أخرى غير العربية. مهما يكن من شيء فإن اطلاعه على الثقافة اليونانية أمر تشهد به مؤلفاته، وخاصة كتابه " قطب السرور "، فلأول مرة يقدم لنا هذا الكتاب أشعارا يونانية مترجمة إلى العربية، لا في الحكمة والأمثال والخرافات، ولا في المنظومات العلمية، وإنما في موضوع آخر كنا نظن أن العرب قد وقفوا فيه من يحس بالاكتفاء والرضى الذاتي فيه، وذلك هو شعر الخمر. ففي الفصل عقده الرقيق بعنوان " منافع الأشربة ومضارها على مذاهب الفلاسفة " (٣) ، لم يكتف بالإحالة على آراء جالينوس وبقراط وكتاب روفس في الشراب ترجمة قطسا ابن لوقا وكتاب " الكرمة " لارسطاطاليس وآراء أطباء العرب مثل إسحاق بن عمران ومحمد بن زكريا الرازي، وإنما ضمن ذلك الفصل شعرا في الخمر لشعراء يونان. ولسنا نستطيع أن نجزم إن كان الرقيق؟ وأصله قد يغري بالقول إنه كان يعرف لغة أخرى غير العربية - هو الذي ترجم تلك الأشعار، أو أنه وجدها مترجمة ونقلها، وإن كان قد وجدها مترجمة فمتى ترجمت، وهل كان مترجمها مشرقيا أو مغربيا؟ وإن كان قد نقلها فهل تم ذلك عن طريق مصادره الطبية أو الأدبية، وإذا كانت الثانية فما هي تلك المصادر؟ أسئلة كثيرة لا يمكن الإجابة عليها، على أن ثمة ما يوحى بأنه كان يعرف اليونانية، إذ قال في التعليق على إحدى المقطعات المترجمة: " وهذا بكلام اليونانيين شعر موزون " (٤) ، وهي قولة يحاول أن يؤكد بها أن الأصل


(١) العمدة ١: ٥٨.
(٢) في ترجمة الرقيق انظر معجم الأدباء لياقوت ١: ٢٨٨ (الطبعة الأوربية) وورقات لحسن حسني عبد الوهاب ٢: ٤٣٨ ومقدمة المنجي الكعبي على القطعة الباقية من تاريخه، بعنوان: " تاريخ أفريقية والمغرب " تونس ١٩٦٨.
(٣) إبراهيم الرقيق: قطب السرور في أوصاف الخمور: ٢٢٥ وما بعدها.
(٤) قطب السرور: ٢٦٠ وانظر القطعة رقم: ٣ في ما يلي.

<<  <   >  >>