فقد كان أصحاب هذا الشاعر كلما أرادوا النقلة من مكان إلى آخر قالوا: ارحلوا على اسم الله وبركاته، وقد يكون عذر هذا الشاعر أنه كان مريضاً، وربما حمل قوله على محمل من يريد مواجهة المعركة الحاسمة، وعندئذ لا يعد قوله خذلاناً.
ولا ريب في أن أكبر صور الخذلان إنما تتم في الارتداد عن المذهب، كما فعل حصين بن حفصة السعدي الذي فارق قطري بن الفجاءة، وعاد إلى صفوف المهلب وقال يثني عليه ويذم قطرياً:
فلما أبى إلا اللجاج بقتلنا ... نظرت وكان المستجار المهلب
عفو عن الذنب العظيم كأنه ... لمن ليس يرجو العفو عن ذنبه أب وهذا يشبه موقف بعض الخوارج الذين كانوا يقدمهم الحجاج للقتل، فيمدحونه بشعر يكون سبباً لخلاصهم أو يعلنون توبتهم وارتدادهم عن مذهبهم.
وقد أثارت تنقلات قطري أما جيوش المهلب صوراً من الخذلان بين الخوارج، وسموا هذا التنقل هرباً، وأنحوا باللائمة على قطري من أجله، فقال أحدهم:
هربنا نريد الخفض من غير علة ... وللحرب نار لا تفل ومخلب
فقولا لأصحاب القران نصيحة ... دعوا الظن إن الظن بالناس يكذب وقال آخر:
أيا قطري الخير إن كنت هارباً ... ستلحقنا عاراً وأنت مهاجر
فحتى متى هذا الفرار مخافة ... وأنت ولي والمهلب كافر غير أننا أن نتوقف قليلاً عندما يمكن أن نسميه " عقدة المهلب " في نفوس الخوارج، وقبل كل شيء لا مجال لنفي ما مني به الخوارج على يد المهلب من إنهزامات وإخفاق، ولكن صورة المهلب أصبحت لديهم مخيفة، وأصبحوا؟ إن صحت نسبة كل هذا الشعر إليهم؟ لا يتورعون عن الإقرار بذلك الخوف