كانت ظلً يفيء إليه الشاعر حين تعييه مشكلات الحياة ويضيق ذرعاً بأمر الفناء. استمع إليه يقول:
يا جمر يا جمر لا يطمح بك الأمل ... فقد يكذب ظن الآمل الأجل
يا جمر كيف يذوق الخفض معترف ... بالموت والموت فيما بعده جلل
كيف أواسيك والأحداث مقبلة ... فيها لكل امرئ عن غيره شغل تجد أن جمرة هي نفس عمران، فليس الأمل كما يتصوره قد طمح بها وإنما طمح بنفسه، وهو يحاول أن ينجو من هذا الصراع القاتل الذي وضع العيش والموت على طرفي نقيض؛ وخفض العيش في ظل الزوجة المحبوبة العاقلة المخلصة لا ينغصه إلا الموت، وأهم ما يعييه عن مواساتها يوم يصبح كل إنسان مشغولاً بنفسه. إلا أن الشاعر عاد يطمئن هذه النفس بأن الموت نفسه سيموت:
لا يعجز الموت شيء دون خالقه ... والموت فإن إذا ما ناله الأجل وقد عجب الأقدمون كيف اهتدى هذا البدوي الساذج إلى أن يميت الموت؟ كلمة قال مثلها من بعد الشاعر الإنجليزي دن Donne حين صرخ ذات مرة: " أيها الموت! إنك ميت لا محالة " Death، thou shalt die،
ومرة أخرى تقف جمرة والموت متقابلين في نفس عمران فيثير هذا التقابل نغمة من أشجى النغمات في الشعر الخارجي سكب فيها عمران حزنه وتفجعه مخاطباً زوجه:
إن كنت كارهة للموت فارتحلي ... ثم اطلبي أهل أرض لا يموتونا
فلست واجدة أرضاً بها بشر ... إلا يروحون أفواجاً ويغدونا
يا جمر قد مات مرداس وإخوته ... إلا يروحون أفواجاً ويغدونا
يا جمر لو سلمت نفس مطهرة ... من حادث لم يزل يا جمر يعيينا
إذن لدامت بمرداس سلامته ... وما نعاه بذات الغصن ناعونا وهذه الصيحة المتألمة المنبعثة من أعماق القلب تصور لنا كيف تتنازع عواطف