ولكن نقد الأغنياء في شعر الخوارج قليل، وأعتقد أن قلته لا تعود لضياع معظم ذلك الشعر بقدر ما تعود إلى طبيعة الجماعة الخارجية نفسها، من حيث أنها لم تشك التفاوت بين الغنى والفقر، وكان التعاطف بين أفرادها يؤكد معنى الرضى ويجعلها أقل شعوراً بالحاجة للثورة على الغنى. كذلك يقول شاعر الخوارج:
متراحمين ذوو يسارهم ... يتعطفون على ذوي الفقر
وذوو خصاصتهم كأنهم ... من صدق عفتهم ذوو وفر
متجميلن بطيب خيمهم ... لا يهلعون لنبوة الدهر
فكذلك مثريهم ومقترهم ... اكرم بمقترهم وبالمثري فإذا كان في الشعر الخارجي نقد لذوي الثراء فهو موجه إلى خارج محيط الدائرة الخارجية.
ولكن شعر الخوارج كان عنيفاً في محاربة العيوب الاجتماعية الأخرى من نفاق وكبر وتملق، لأن زهاد الخوارج كانوا على شعور تام بمظاهر التناقض في المجتمع من حولهم، وكانت صلابتهم في المحافظة على المبدأ تظهر الفرق بينهم وبين الآخرين، فالجند الإسلامي؟ في سبيل الرزق؟ قد يحارب اليوم مع ابن الزبير ويرى أنه أمير المؤمنين فإذا عرض لهم ذكر عبد الملك شتموه وعابوه، وبعد يوم من مقتل ابن الزبير يصبح الجند في صف الدولة. وقد امتحن الخوارج أولئك الجنود وهم مرابطون يحاربون اسم ابن الزبير دون أن يعلموا بمقتله وسألوهم عنه وعن عبد الملك فأنثوا على الأول وعابوا الثاني، وفي اليوم الثاني علم الجند بمقتل صاحبهم وأن تبعتهم انتقلت إلى عبد الملك فجاء الخوارج يهزأون بهم ويسألونهم رأيهم في الخليفة الجديد فما يحيرون جواباً. وهذه الحياة الآلية غريبة في نظر المتحمسين الذين يموتون من أجل العقيدة، وهي النقيصة الكبرى التي كان يبصرها