للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

والفرق بينه وبين أبي الطيب ليس في النغمة العامة، وإنما في ان فلسفة تقوم على قوة نفسية مستمدة من الزهد في الناس ومن القناعة وليس هذا من مذهب المتنبي.

وإذا كان ابن عبدون يترسم مبنى المتنبي وحده دون فلسفته فان ابن وهبون يترسم الاثنين معا في مثل قوله (١) :

وإني لفي دهر قرائس أسده ... سدى عبثت فيها نيوب كلاب

أتخفى على الأيام غر مناقبي ... وقد بز شأوي شأو كل نقاب

ويركبني رسم الخمول وقد غدت ... خصال العلا والمجد طوع ركابي

سأرقى بهماتي قصارى مراتبي ... وإن كان أدناها يطيل طلابي

لتعلم أطراف الأسنة أنني ... كفيل لها عند الصدا بشراب

وتشهد أطراف اليراعات أنني ... بهن مصيب فصل كل خطاب

وليس نديمي غير أبيض صارم ... وليس سميري غير شخص كتابي

مضمخة لا بالمخلوق أناملي ... مزعفرة بابعير حرابي

ولكن بنفح بخجل الروض زاهرا ... ولكن بدعس في كلى ورقاب

ومن لم يخضب رمحه في عداته ... تساوت به في الحي ذات خضاب

ومن لم يحل السيف من بهم العدا ... تحلى بخزي في الحياة وعاب

إذا ورق الفولاذ هز تساقطت ... ثمار حتوف أو ثمار رقاب

ومن يتخذ غير الحسام مخالبا ... فما هو إلا وارد بسراب

ومن غره من ذا الأنام تبسم ... فبالعقل قد أضحى أحق مصاب


(١) المصدر نفسه: ٢٠٣.

<<  <   >  >>