ولا ريب في أن عبد الجليل أقل عنفا من المتنبي، ولكن حديثه عن أطراف الأسنة وعن صديقيه الحسام والكتاب وعن المخدوعين بالتبسم إنما هو ترديد لمعاني أبي الطيب، أو إن شئت فقل إنه يرى انعكاس صورة أبي الطيب في مرآة أبي فراس الحمداني.
وأما أثر العلاء فواضح كل الوضوح في الاتجاه الفلسفي العام؟ الذي سأتحدث عنه في موضعه - ولكن الأندلسيين أنفسهم يشهدون بمدى إقبالهم على شعره ونثره ومعارضتهما. ولنقف مرة أخرى عند محمد ابن عبد الغفور الكلاعي الذي أورد في كتابه " أحكام صفة الكلام " ثبثا بأسماء ما كان يتداوله الأندلسيون من كتب أبي العلاء. فيحدثنا ابن عبد الغفور كيف اجتمع وصديقا له في بعض المجالس، وأخذا في ضروب الفصاحة فاتهمه صاحبه بأنه لا يعرف كيف يكتب في السلطانيات، فحمله ذلك علي تأليف كتاب على مثال " السجع السلطاني " لأبي العلاء. وكيف تذاكر هو وصاحبه ما لأبي العلاء من تواليف بديعة فقال صاحبه أن ابا العلاء لا يجارى ولا يبارى ولا يعارض في واحد منها، فأحب ابن عبد الغفور ان يثبت تفوقه فكتب رسالة " الساجعة والغربيب " معارضة لرسالة " الصاهل والشاحج " لأبي العلاء، ثم عارضه بتأليف سماه " ثمرة الألباب " مضاهيا بذلك " سقط الزند "، وعرضه في خطبة كتاب الفصيح وهذا جهد معجب واحد من المعجبين بأبي العلاء وهناك آخرون غيره منهم ابن الخصال الذي عارضه في ملتقى السبيل، والسرقسطي الذي تأثر خطاه في المقامات فبناها على لزوم ما لا يلزم، وتأثره ابن خفاجة من حيث الشكل حين استعمل اللزوم في شعره. وليس من السهل ان نمثل على تأثر الأندلسيين بالمبنى الشعري عند ابي العلاء فأن سقط الزند الذي استأثر باهتمامهم فيه الشيء من اثر المتنبي نفسه.