للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ولكن ليس من العسير أن نمثل على الجو البدوي العام الذي اخذ يتنفس فيه الشعر الأندلسي في ذلك العهد، ذلك لأنا نجد أمثلته حاضرة عند كثيرين من الشعراء، وبخاصة في مقدمات المدائح، فمن ذلك قول ابن حصن أحد شعراء المعتضد (١) :

ما هاج برج الهوى إلا مطوقة ... كأنها من نحول شفها جيم

أيا حمامة ذا الوادي أثرت جوى ... تنقض منقدة منه الحيازيم

إن لا يكن واديا حلت ركابهم ... به فما وإلا فما واديك مأموم

نغشى بهن بنات الوخد سابحة ... تهوي وقد هم بالمسار تهويم يقيم سرى الليل تأويب النهار وللهجير من لهب الرمضاء تضريم ... والآل عند هيام القيظ مضطرب كأنه في بساط القاع محموم ...

يزاحم الليل والخرقاء موضعه ... والقفز مثل طراد السيف ديموم

مرقته وثرياه تلوح كما ... لاحت بأنمل زنجي حواتيم ومن شعر يحيى بن بقي وهو يصف رحلته إلى الممدوح على ناقة ينقل لنا جوا صحراويا في نغمة جزلة بدوية (٢) :

أوضعت بي إليه وجناء حرف ... أكلتها السفار أكل القضيم

تترك الريح خلفها وهي حيرى ... بين إيضاعها وبين الرسيم

ظلت أطوي القفار منها بلام ... طبعتها بالميم بغد الميم

فأتته والمرو قد نال منها ... فهي تخطو على وظيف رثيم


(١) الذخيرة - القسم الثاني (المخطوط) : ٧٦.
(٢) المصدر نفسه: ٢٥٢.

<<  <   >  >>