ولم يكن وحده مجالا لهذا الطبع البدوي، بل كان النثر كذلك ميدانا لصورة، وابرز حشد الأمثال في الرسائل على نحو من الإغراق. وما رسالة ابن زيدون الهزلية إلا مثل واحد من عدة أمثلة، كلها يعتمد على إيراد الأمثال الكثيرة.
وإذا كان هذا هو الأثر الذي أصاب المبنى، فأن الأثر البدوي - أو طريقة العرب - لم تقف عند ذلك بل تجاوزته إلى الموضوع، وخاصة موضوع الرثاء، وسنرى حين ندرس معالم التطور في الموضوع مدى ذلك كله. وليس معنى هذا أن طريقة العرب قد طمست ما عداها في الاتجاه الشعري - مبنى وموضوعا - فقد بقيت طريقة المحدثين وعمادها التجديد في الاستعارة - أو الاهتمام بالصورة - واضحة في الشعر، وبخاصة شعر الوصف. وقد حاول ابن خفاجة ان يجمع في القصيدة الوصفية بين التدفق والجزالة من ناحية والصور المحدثة من ناحية أخرى فخرج بضرب من الشعر في الطبيعة، مثقل متزاحم بين الموسيقى القوية والصورة البعيدة. ٍ
- ٢ -
التطور في الموضوع
١ - الرثاء:
هو أوضح موضوع تجلد فيه أثار " طريقة العرب "، وتلك ظاهرة لمحها ابن بسام ووضح رأيه فيها، فقال معلقا على قصيدة لأبي محمد بن عبدون: " وهذه القصيدة طويلة، سلك فيها أبو محمد طريقته في الرثاء