وقد جاراه أيضا في هذا الاتجاه الشاعر الكفيف أبو جعفر التطيلي، فقال من قصيدة (١) :
وأعلن صرف الدهر لابني نويرة ... بيوم تناء غال كل تداني
وكانا كندماني جذيمة حقبة ... من الدهر لو لم تنصرم لأوان
فهان دم بين الدكادك واللوى ... وما كان في أمثالها بمهان
ومال على عبس وذبيان ميله ... فأودى بمجني عليه وجان
فعوجا على جفر الهباءة واعجبا ... لضيعة أعلاق هناك ثماني وفي أمثال هذا الشعر نحس دائما صوت الرجل " الحكيم " الذي يتمثل العبرة المجسمة في حقيقة الموت ويربط في ذلك بين الماضي والحاضر وربما لم يكن في هذا الاتجاه الشعري شيء من تصوير التأثر الذاتي للحادثة المباشرة وإنما فيه أسى عميق على العظماء من بني الإنسان، فهو بكاء على " العظمة " من خلال تصوير عظمة الموت، رجاء التأسي. ويقترب من هذا الاتجاه نحو آخر تأملي قائم على التفلسف مستوحى أيضاً من أبي العلاء في مثل قصيدته " غير مجد في ملتي واعتقادي " وسنقف عنده أثناء دراسة الاتجاه الفلسفي في هذا العصر.
وليس هذا هو اللون الوحيد من الرثاء بل لعله إلا يكون اللون الغالب، ولكنه ظاهرة موجودة تستدعي الالتفات، وهناك إلى جانب الاتجاه الذي يذهب إلى التهويل في الندب والتفجع؟ دون استحضار العبرة، اتجاه آخر يمثل ما يمكن أن نسميه البكاء على زوال " الرقة