والجمال " أن كان النوع الأول يمثل البكاء على " العظمة ".
وغالبا ما يتصل هذا اللون ببكاء " الزوجة " وهو بكاء يمتد من فقد الزوجة بالطلاق إلى فقدانها بالموت، وهو لون ذاتي خالص، يعتمد على ميل أصيل في نفس الشاعر إلى البوح، كأنه ترجمة ذاتية قصيرة، فها هنا يطلق الشاعر الأندلسي للعاطفة - التي قد يتحرج كثير من الناس عن التلويح بها - العنان، فيتحدث عن الجمال وحلاوة العشرة، وعن سهره وحزنه، ويمثل في رثائه وبكائه دور المحب المشغوف، وإذا قدرنا هذا السبب الذاتي في صمبم التركيب النفسي لصاحبه، لم نعدم أن نجد هنا لموقف الشاعر الأندلسي تفسيرات اجتماعية، أثارت هذا اللون من الرثاء على نطاق غير قليل، ومن تلك التفسيرات شعور الأندلسي بقيمة المرأة وتقديره لدورها، وقد مر بنا من قبل كيف ان هذا الشعور قد قوي في أيام المرابطين بسبب من نظامهم الاجتماعي، وأسباب ذلك أيضا ذلك التزلزل الذي أصاب شعور الأندلسي المرهف، وجعله يحس في الفقد لا معنى الفقد المباشر نفسه، بل حاجته إلى سكن يأوي إليه، وتمثل المرأة في حياته هذا السكن على نحو عميق، لأنها كانت؟ في الغالب - تشاركه صعوبات الحياة. ومهما تكن أسباب هذه النزعة العميقة الواضحة فأنها ليست قاصرة على وضع حضاري خاص، وفي شعراء البدو من كرس حياته يبكي زوجته ويتحسر لفقدها (١) ، بل هي نزعة مقرونة بأسبابها الفردية والجماعية في كل بيئة على حدة.
ومن نماذج هذا الشعر في حال الفراق بالطلاق قصيدة لابن هند الداني
(١) يحضرني في هذا المقام شعر نمر العدوان أحد شعراء البادية المحدثين، وكل ما حفظته الأيام من قصائده إنما كان في البكاء على زوجته " وضحا ".