للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

شاهدا واضحا على هذه الظاهرة في الأندلس. أما في عصر الطوائف والمرابطين فنلتقي ثلاثة شعراء وقفوا هذا الموقف الحزين، وأولهم أبو إسحاق الالبيري الشاعر الزاهد في قصيدة له راثية (١) :

عج بالمطي على اليباب الغامر ... وأربع على قبر تضمن ناظري

فستستبين مكانه بضجيعه ... وينم منه عرف العاطر

فلكم تضمن من تقي وتعفف ... وكريم أعراض وعرق طاهر

واقر السلام عليه من ذي لوعة ... صدعته صدعا ما له من جابر

فعساه يسمح لي بوصل في الكرى ... متعاهدا لي بالخيال الزائر

فأعلل القلب العليل بطيفه ... علي أوفيه ولست بغادر

إني لأستحييه وهو مغيب ... في لحده فكأنه كالحاضر

أرعى أذمته وأحفظ عهده ... عندي فما يجري سواه بخاطري

إن كان يدثر جسمه في رمسه ... فهواي فيه الدهر ليس بداثر

قطع الزمان معي بأكرم عشرة ... لهفي عليه من أبر معاشر

ما كان إلا ندرة لا أرتجي ... عوضا بها فرثيته بنوادر

ولو أنني أنصفته في وده ... لفضيت يوم قضي ولم أستأخر

وشققت في خلب الفؤاد ضريحه ... وسقيته ابدا بماء محاجري

أجد الحلاوة في الفؤاد بكونه ... فيه وأرعاه بعين ضمائري وصدور هذه القصيدة عن قلب رجل زاهد يمنحها لونا خاصا، فإن كون الوفاء فيه أمرا طبيعيا لا ينقصها حظها من هذا البوح الودي الذي يلحق بمعارج العشق والتوله. وليس يخل فنيا بقصيدة الالبيري إلا استطراده فيها لذكر الحور العين وضروة العبادة لمن كان مثله كي ينالهن، وحديثه


(١) ديوان الالبيري: ١٣٢.

<<  <   >  >>