يتعاقب الأضداد مما قد ترى ... جلبت عليك الحكمة الشنعاء
أيغرني أن يستطيل بي المدى ... وأبي بحيث تواضت الغبراء
لم ينكر الإنسان ما هو ثابت ... في طبعه لو صحت الآراء
ونظير موت المرء بعد حياته ... أن تستوي من جسمه الأعضاء
دنف يبكي للصحيح وإنما ... أمواتنا؟ لو نشعر - الأحياء
وسواء أن تجلى اللحاظ من القذى ... أو تنتضى من شخصها الحوباء
ما النفس إلا شعلة سقطت إلى ... حيث استقل بها الثرى والماء
حتى إذا خلصت تعود كما بدت ... ومن الخلاص مشقة وعناء
كذبت حياة المرء عند وجودها ... وجد الحمام ومنه كان الداء وبعد هذه المقدمة يخرج عبد الجليل إلى رثاء شيخه الأعلم، ومن الواضح مبلغ الصلة بين هذه القصيدة وقصيدة المعري التي أشرت إليها آنفا، إلا أن عبد الجليل أكثر اتكاء على النظريات الفلسفية حين تحدث عن أن النفس شعلة (عنصر) يحملها عنصران آخران هما الماء والتراب، وحين ذهب إلى أن حقيقة الموت مائلة في الحياة، وأن الأموات حقا هم الأحياء. والقصيدة بعد ذلك مضطربة الإشارات، وإظهار " التفلسف " فيها أمر مقصود لذاته، ولكنها تمثل محاولة جديدة في الشعر الأندلسي.
ومما يجري في مضمارها، ويرتكز على التفلسف في حال النفس والجسد قول أبي عامر الشنتريني (١) :
يا لقومي دفنوني ومضوا ... وبنوا في الطين فوقي ما بنوا