للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ابنه الوليد بن جهور فسار على سيرة ابيه. وبين أطماع بني عباد وبني ذي النون في قرطبة سقطت المدينة في يد العباديين وزالت دولة بني جهور بعد أربعين سنة من الحكم.

وهذه نظرة سريعة شديدة الايجاز، ولكنها تدل على جانب من الخلافات بين أولئك الأمراء، مثلما تشير إلى اعتمادهم على عون الأجنبي وعلى رضاهم بدفع الجزية، حتى كان استقلالهم في حقيقته تبعية مقنعة أو كما قال أحد المؤرخين: " وصاروا للفنش (ألفونس) عمالا يجبون له الأموال لا يخالف أمره أحد ولا يتجاوز له الحد " (١) . ولا بد من الإشارة إلى إنني لم أورد في هذا المقام جميع الإمارات، ولا سياق التتابع على الإمارة الواحدة ولا وقفت عند الصراع الطويل بين الإمارات المختلفة.

وليس هنالك من تفاوت كبير بين هذه الإمارات، فيما تنتهجه من نظم سياسية أو إدارية، فالسيد فيها ذو سلطان مطلق يميل في أغلب الأحيان إلى الاستبداد والاستهانة بالدماء وانتهاز الفرص، مع ميل إلى الاستكثار من أسباب الترف وضروب العمران. وهو يعتمد على وزير أو وزراء من طبقة الكتاب أو الفقهاء؛ وللوزير الكاتب مكانة هامة في الدولة لأنه اللسان المعبر عن سياستها وعلاقتها بأسلوب لبق أو قوي. أما العلاقة بين هذا السيد فهي علاقة الجباية نظرا لحاجته إلى المال لأعداد الجند وغير ذلك من شئون دولته وأسباب ترفه.

ولا يشذ عن كثيرا إلا بعض نزعات فردية كانت تنزع بصاحبها إلى العدل والمسالمة وإنصاف الرعية، وإلا النظام الذي استحدثه أبو الحزم ابن جهور في قرطبة فكان فريدا في نوعه وسط تلك النظم الفردية الجانحة


(١) Abbadidarum ٢:١٦

<<  <   >  >>