للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إلى الاستبداد. فان أبا الحزم لم يظهر بمظهر الإمارة، فزعم انه إنما يدير البلد حتى يتفق الناس فيما بينهم على من يولونه؟ بعيد الفتنة - وظل يقطن في داره التي كانت له قبل زوال الدولة الأموية، وأبى الانتقال إلى أحد القصور، وكان ما يجمعه من أموال الدولة يجعله بأيدي أمناء يشرف هو عليهم، وصير أهل الأسواق جندا له، وجعل أرزاقهم رؤوس أموال تكون بأيديهم، محصاة عليهم، يأخذون ربحها، ورؤوس الأموال باقية محفوظة، وفرق عليهم السلام وأمرهم يجعله في الدكاكين والبيوت، حتى إذا دهمهم أمر في ليل أو نهار كان سلاح كل واحد معه في بيته أو دكانه، فرخت الأسعار في زمانه ونشطت التجارة وتغالى الناس في أثمان المباني. وكان إذا سئل عن شيء قال: ليس لي عطاء ولا منع، هو للجماعة وانا رابه أمر أو عزم على تدبير أحضرهم وشاورهم، وإذا خوطب بكتاب لا ينظر فيه إلا أن يكون باسم الوزراء، وأقام علاقاته بجيرانه على الموادعة والمسالمة (١) .

وسار ابنه أبو الوليد على سيرته في درء الحدود حتى كان الأمن في زمنه خيرا مما كان عليه أيام قوة الشرطة في الدولة الأموية والعامرية، وتنافس ابناه على السلطة في حياته، وأخذ كل منهما يستميل إليه طائفة من الجند، ويصطنع طائفة من الرعية، فعمد أبو الوليد إلى تحديد سلطة كل منهما فجعل لعبد الرحمن وهو الأكبر أمر الجباية والإشراف على الموظفين والتوقيع في الصكوك السلطانية وأسباب النفقة، وجعل إلى عبد الملك الإشراف على الجند وأعطياتهم وتجريد البعوث (٢) .


(١) الذخيرة ١⁄٢: ١١٥ - ١١٧ والحلة السيراء: ٦٤ - ٦٦ والمعجب: ٣٩ - ٤٠ والجذوة: ٢٧ - ٢٨.
(٢) الذخيرة ١⁄٢: ١٢٢.

<<  <   >  >>