للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وقد نقدر أن حرية التعبير في عصر الطوائف كانت ضيقة الحدود، وان الخوف ألجم الناقمين والمتذمرين عن الإفصاح بما كانوا يحسونه، اذ لم يكد بشعر بعضهم أن وجه المنقذ يطل عليهم من وراء آثام البطل المرابطي حتى اخذوا يتحدثون عن عيوب حكامهم في صراحة. وقد جرت الأحوال المتقلبة بالناس في ظل الحكومات المتعاقبة على استجداء رضى القائمين الجدد والشماتة بالذاهبين، سمة من سمات النفاق في الحياة السياسية تومئ إلى نقصان في الشجاعة النفسية والى أزمة عميقة في الأخلاق، وأمثالها في الحديث والقديم كثيرة. ولا ندري هل نبرى منها أبا الحسن ابن الجد حين وقف يمدح أمير المسلمين يوسف بن تاشفين ويقول (١) :

في كل يوم غريب فيه معتبر ... نلقاه أو يتلقانا به خبر

أرى الملوك أصابتهم بأندلس ... دوائر السوء لا نبقي ولا تذر

قد كنت أنظرها والشمس طالعة ... لو صح للقوم في أمثالها النظر

ناموا وأسرى لهم تحت الدجى قدر ... هوى بأنجمهم خسفا وما شعروا

وكيف يشعر من في كفه قدح ... تحدو به مذهلات الناي والوتر

صمت مسامعه من غير نغمته ... فما تمر به الآيات والسور

تلقاه كالعجل معبودا بمجلسه ... له خوار ولكن حشوة خور

وحوله كل مغتر وما علموا ... أن الذي زخرفت دنياهم غرر ولكن من الطبيعي أن تستيقظ النقمة الدينية في نقد الأمراء والملوك لدى قدوم الحكام الجدد الذين جاءوا يحملون معهم دعوة لبعث ديني.


(١) الذخيرة - القسم الثاني (المخطوط) : ١٠٥.

<<  <   >  >>