أورد على ارسطوطاليس ما نقل عنك، وبطليموس سوى الاصطرلاب بتدبيرك، وصور الكرة على تقديرك،؟.. وانك الذي أقام البراهين، ووضع القوانين، وحد الماهية، وبين الكيفية والكمية، وناظر في الجوهر والعرض، وميز الصحة من المرض، وفك المعمى، وفصل بين الاسم والمسمى؟ ".
وليس في الرسالة سخرية بالمعنى الدقيق إلا من جانب واحد هو التكثير من نسبة الأشياء البعيدة المطلب وإثباتها في غير موضعها إلى شخص واحد، كأنما اجتمعت فيه ضروب المقدرة والمعرفة والإحاطة والشمول، وهذا هو عين ما جرى عليه الجاحظ في التربيع والتدوير فأما اكثر الرسالة فانه سباب محض، أو هو سباب متراوح تتخلله استطرادات يبرز بها الكاتب مدى اطلاعه. وأول الرسالة منبئ عن طبيعة الغيظ القاتم التي تتخللها: " أما بعد ايها المصاب بعقله، المورط بجهله، البين سقطه، الفاحش غلطه، العاثر في ذيل اغتراره، الاعمى عن شمس نهاره، الساقط سقوط الذباب على الشراب، المتهافت تهافت الفراش على الشهاب ". وفي تضاعيف الرسالة قسط وافر من مثل هذا السب أو اشد مثل: " هجين القذال، ارعن السبال، طويل العنق والعلاوة، مفرط الحمق والغباوة، سيء الجابة والسمع، يغيض الهيئة، سخيف الذهاب والجيئة ".
على أن الرسالة، بعد ذلك، مبنية بناء متعمدا، ولبست قائمة على الفوضى، وان أوهمت أنها كذلك؟ إلا انه بناء مقارب لا دقيق متلاحم في دقته: فبعد الفاتحة تجيء الإشارات إلى أشخاص من أبناء الأمم القديمة كيوسف وقارون وكسرى وقيصر والاسكندر واردشير، ثم إشارات إلى ملوك الجاهلية ورجالاتها كجذيمة وبلقيس وكليب والسليك وقيس بن زهير - وع بعض التجوز في ذكر شخصيات إسلامية - ثم يعرج على ذكر أسماء