إلى الحب والغزل، وعلى شيء من عوائدهم وأساليبهم فيهما، وحدثنا عن غرام بعضهم بالجمال الأشقر، وعن اتخاذ الحمائم لتبليغ الرسائل، وعن التهادي بخصل الشعر مبخرة بالعنبر مرشوشة بماء الورد وقد جمعت في اصلها بالصطكي وبالشمع الأبيض المصفى ولفت في تطاريف الوشي والخز وما أشبه لتكون تذكرة للمحبين، وحدثنا عن ضروب من الحب عندهم أدت إلى الجنون وأخرى أدت إلى الانتحار. ويستشف من أقوال ابن حزم سيطرة الجارية على دنيا الغزل، في الأكثر، وقد يكون من الأخبار ذات الدلالة العميقة قوله: ان المنصور بن أبي عامر قتل جارية تغنت بغزل قيل فيه " صبح " أم مؤيد، وان آلا مغيث استؤصلوا ولم يبق منهم إلا الشريد الضال لأن أحمد بن مغيث تغزل بإحدى بنات الخلفاء (١) ، مما يدل على قيام حدود صارمة تجعل نساء الأشراف في منزلة خاصة لا تتطاول إليها، أولاً يجب أن تتطاول، عيون الشعراء المتغزلين.
على ان ابن حزم ربط الحب في رسالته بالنظرة الأفلاطونية أو قل وثق العلاقة بينه وبين الاخلاق، ولم يكن جاريا في هذا على طبيعته المتدينة فحسب، بل كان أيضاً يصور تيارا قويا في شعر الحب بالأندلس، وجد قبل ان يكتب طوق الحمامة. إذ كانت علاقة الشعر بالأخلاق قد أخذت تتحدد لا على نحو رومنطيقي إعرابي كما حدث في نسيب المشارقة إبان العصر الأموي بل على نحو من الإيمان بالعفاف عند المقدرة وانه سمة أخلاقية ملازمة للفتوة نفسها، تلك الفتوة النابعة أيضاً من النظرة الدينية. وكان ابن فرج صاحب الحدائق نفسه من خير من يمثلون هذا الاتجاه في مقطوعتين من شعره وصلتا إلينا، يقول في إحداهما: