للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الحداد فانه يمثل الشاعر المثقف الفلسفية والعلمية، وفي شعره ميل إلى التعمق الفكري يبعد به عن المستوى العام الذي يألفه الناس ويتطلبونه. ثم إن لولادة شخصية واضحة لأنها تكمل قصة الحب بالاستجابة الفنية من جانبها. أما نويرة، فنكاد لا نعرف شيئا من موقعها سوى الصد المطلق أو السلبية الكاملة، وهذا ترك أثرا في شعر كل من الرجلين، فقصائد ابن الحداد، زفرات ملتاع يشكو ويتشبث بالوصول ويتحرق بالوجد، فالحب فيها من جانب واحد، أما قصائد ابن زيدون فأنها غيوم أسى احتشدت بعد الفراق والتغير، فهي حسرة على ما فات، وبكاء على عهود انقضت وأحلام تبددت، أي هي حكاية قصة كاملة ذات طرفين.

ويبدو أن ابن زيدون أضفى على هذا الحب شيئا حين سجله في مذكرات أو ترجمة ذاتية، أو رواه متلذذا بذكريات الماضي، فقد قال ابن بسام راويا عنه: " قال أبو الوليد: كنت في أيام الشباب، وغمرة التصاب، هائما بغادة، تدعى ولادة، فلما قدر اللقاء، وساعد القضاء، كتبت إلي:

ترقب إذا جن الظلام زيارتي ... فأني رأيت الليل أكتم للسر

وبي منك ما لو كان بالبدر ما بدا ... وبالليل ما أدجى وبالنجم لم يسر (١) " ويحكي ابن زيدون حكايات أخرى تدل على غيرة ولادة، حين سأل المغنية وهو في بيتها أن تعيد الغناء دون اذن منها " فخبأ منها برق التبسم وبدا عارض التجهم " (٢) ، وأنهما باتا على العتاب في غير اصطحاب،


(١) الذخيرة ١/١: ٣٧٧.
(٢) المصدر نفسه: ٣٧٨.

<<  <   >  >>